التلفزيون الأردني: سُبات أهل الكهف

 

حتى أواسط الثمانينيات كنّا نذهب إلى مبنى التلفزيون الأردني، من أجل أن نسجّل بعض القراءات الشعرية لبرنامج المرحومة المبدعة فكتوريا عميش، وما أن نصل هناك حتى نشرع في قراءة لائحة كبيرة معلّقة اسمها اللائحة السّوداء! كانت عيوننا تسقط مباشرة على اسم صديقنا الشاعر المرحوم محمد القيسي، فننظر باتّجاه القيسي ونقول له بشيء من الألم: ترى ما الذي اقترفته حتى يتمّ تعليق اسمك في هذه اللائحة؟ فيردّ بحيرة: لا شيء!

اضافة اعلان

الآن لا أعرف هل انتهت قصّة اللائحة السّوداء من التلفزيون، أم أنّها بقيت! ذلك أننا منذ ذلك الوقت البعيد لم نعد نذهب إلى هناك، فقد ماتت فكتوريا مقدّمة البرنامج الثقافي الوحيد في التلفزيون، وانتهت البرامج الثقافية باستثناء البرنامج الذي أصبح يقدّمه مؤخّراً د. خالد الجبر، والذي لا نعرف هل ما يزال قائماً أم لا!

ترى ما الذي يحدث لهذه المؤسّسة التي أنشئت في أواخر الستينيّات من القرن الماضي؟ زمن طويل مرّ على برامجها الأولى، وعلى مسلسل رأس غليص بنسخته القديمة الذي كان يحدث في وقت بثّ حلقاته ما يشبه منع التّجوّل! في تلك الفترة وحين لم تكن هناك فضائيّات كان التلفزيون حاضراً على المستويين الأردني والعربي، وذلك من خلال المسلسلات التي كان ينتجها والتي استقطبت في صفوفها أهم الكوادر الفنيّة العربية من نجوم الدراما إلى المخرجين. طبعاً لا بدّ من التنويه إلى أنني في هذه المقالة لا أقدّم مرافعة عن التلفزيون أيام زمان، فلم يكن التلفزيون الأردني منذ البداية تلفزيون دولة أو شعب بقدر ما كان تلفزيون حكومات يتبنى سياسات ذات أفق محدود! ولكنني أشير هنا إلى الجهد الخاص بالدراما التلفزيونية الذي قدّمه التلفزيون في السبعينيات والثمانينيات، حيث كان جهداً مميّزاً وواضحاً.

منذ عقدين تقريباً انهمرت علينا مئات بل آلاف المحطّات الفضائيّة وأصبح التلفزيون الأردني نسياً منسيّاً! لم يعد أحد يشاهده، أو يتابع ما يبثه من برامج، فيما اتّجهت أنظار المشاهدين إلى محطّة هي بمثابة إمبراطورية إعلامية اسمها الجزيرة! هذا بالإضافة إلى الكثير من المحطّات التي أصبحت تستأثر بقلوب المشاهدين. طبعاً السبب في هذا الأمر واضح وضوح الشّمس، فالتلفزيون الأردني ظلّ على حاله ولم يتغيّر، والمشاهد لا يجد فيه الحد الأدنى من طموحه ورغباته، فهو في الغالب لا ينقل الحقيقة، كما أن البرامج التي يقدّمها لا تهمّ النّاس! لقد ظلّ مرتهناً لما يمكن أن أسميه السياسة الحجرية، وهي تلك السياسة التي هيمنت عليه منذ تأسيسه حتى هذه اللحظة.

السياسة المتحجّرة تلك، أو السياسة البالية التي عفا عليها الزمن لم تعد تصنع شيئاً ذا قيمة في عالم الإعلام اليوم، هذا العالم المتلاطم المتعدّد الذي تجتاحه رياح التغيير والمفاجآت، والذي أصبح يرسم السياسات في العالم ويتحكّم في تشكيل وجهات النّظر الشّخصية والعامّة من القضايا والأحداث. ظهور الإنترنت أيضاً زاد المهمّة صعوبةً، فالمواقع الإلكترونية أصبحت تنقل بالصّوت والصّورة كل شيء جديد وطارئ، كل ذلك يتمّ خلال دقائق قليلة من وقوع الحدث الذي يجري في أي مكان في العالم.

المسألة بالنسبة إلى التلفزيون ليست معجزة، وهي لا تحتاج إلى أموال طائلة لتنفيذها، كل ما هنالك أنّ الأمر يحتاج إلى قرار وإرادة للتغيير، الكثير من الأصدقاء زاروا محطة الجزيرة في الدّوحة، وذكروا أنّ لها مبنى صغيراً ومتواضعاً، ولكنّ الجزيرة وغيرها من المحطّات تمتلك تلك الإرادة والرؤية الإعلامية الحديثة التي تمكّنها من العمل والتّحرّك، وهذا بالضّبط ما يفتقده التلفزيون الأردني الذي يرتع منذ سنوات طويلة، في سبات شبيه بسبات أهل الكهف.

[email protected]