الثورة السورية وتأخر الحل

ثمة كثيرون ممن يعتقدون أن ما يسمى الربيع العربي لو بدأ بالثورة السورية، لما كان انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه في كثير من البلدان؛ وأن كثيرا من الأنظمة التي ذهبت ما كانت لتذهب، ولبقيت واتخذت من التدابير ما يمكنها من الإطباق على المشهد السياسي في تلك الدول لعقود طويلة مقبلة. اضافة اعلان
ومثل هذه القراءة تعتمد على فكرة بسيطة، مفادها أن مستوى العنف المستخدم سيشكل عامل ردع لأي محاولة اعتراض أو ثورة محتملة. وليس هذا فحسب، بل إن الصمت والتجاهل الدوليين سيشكلان عاملا لاستمرار مثل هذا العنف، وبالتالي لن يتم ما سعى ويسعى إليه المتظاهرون من تغيير سياسي يوقف مد الاستبداد، ويذهب بالمنطقة إلى فضاء أفضل من الحرية، وشكل من الديمقراطية والمشاركة.
إن تأخر أي نوع من التسوية في سورية طرح كثيرا من الأسئلة التي تبحث عن إجابات لفهم دواعي تأخر العثور على نوع من الحل يوقف شلال الدم، والأهم ربما هي التبعات السياسية والانقسام الذي أصبح يتنقل في المنطقة كالريح السموم. وهذه الأسئلة تتعلق بحالة الانتظار والتلكؤ التي يعاني منها العالم، والحديث هنا عن الولايات المتحدة والأوروبيين بشكل أساسي.
فالولايات المتحدة، ومعها أوروبا وبعض الحلفاء في المنطقة، كانت ترى في النظام السياسي في سورية أداة لإيران، وكان الحديث في العام 2004، على سبيل المثال، حول ما إذا كانت سورية المحطة التالية للحرب على العراق. لكن تغير كل ذلك. فواشنطن أصبحت الرجل المريض الذي يرفض الإقرار بوهنه، وأوروبا تعتمد في حركتها أن لا تكون وحيدة؛ فهي ترغب في حضور واشنطن. وكلا الطرفين يواجهان خصما سياسيا له كثير من مبررات الانتقام منهما، وهو روسيا. فموسكو ترى أن الزمان زمانها، وأن واشنطن لم تعد قادرة على أن تقود العالم إلى حروب كما فعلت في الأعوام 1991 و2001 و2003. والأهم ربما هو إيمان روسيا، وكذلك الصين، بأن واشنطن باتت قلقة من كرة اللهب المسماة ربيع العرب. فتلك الكرة أجهزت على حلفاء واشنطن قبل خصومها، الأمر الذي يحمل كثيرا من التبعات الاقتصادية والسياسية على تلك الدول.
وعلى صعيد غير بعيد، ثمة قلق كبير في عواصم تلك الدول بشأن طبيعة النخب السياسية والتغيرات التي سيجلبها هذا التغيير الذي هللت له دول مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. هذا القلق بدأ صغيرا، لكن ما يحدث في مصر وتونس وليبيا، وكذلك التطورات المتسارعة في سورية، أصبح يشكل مصدر قلق أساسي، مرده ما إذا كان العالم -في ظل أزمة اقتصادية حادة- مستعدا لتغيرات سياسية تهدد ما بقي من مصالح اقتصادية لتلك الدول.
إن من السذاجة الاعتقاد أن حالة الترحيب التي تُسمع هنا أو هناك من عواصم غربية، تعكس الحقيقة. فتلك الدول لم ترغب في هذا التغيير، لاسيما بالشكل الذي حصل به، بسبب ما نتج عنه من مخاطر ضربت وستضرب مصالح الدول بشكل تدريجي.
إن الإرادة الدولية التي تركت أثرا في تغيير مسار الثورة الليبية، وكذلك دفعت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى التنحي، لا تبدو موجودة في الحالة السورية. وتفسير ذلك ربما يكون في حالة تصفية الحسابات القائمة بين الخصوم الدوليين. لكن ثمة عوامل أخرى لها علاقة بالأعباء السياسية والاقتصادية التي تأخذ كثيرا من الدول تدريجيا إلى غرف الإنعاش والعناية الحثيثة.
غياب تلك الإرادة يذكر بأحد دروس التاريخ المهمة، وهو المرتبط بالاستبداد ومروجيه. فما يسمى النظام الدولي الذي يبرر الكثير من التغيرات المستبدة، لن يكون قادرا على دفع الاستبداد. وفي محصلة الأمر، فإن مسار الثائرين ماض، وكذلك مسار أهل السياسة. والتغيرات تقول إن الماضين في مسار السياسة في حيرة من أمرهم، لكن الثائرين يبدون قانعين بمسارهم، وتقدمهم هو الوحيد الذي قد  يأتي بالحل، هذا إن لم يفرضه.

[email protected]