التضامن مع فلسطين في أميركا: من الاحتجاج إلى المقاومة‏

‏شرطة نيويورك تقتحم احتجاج جامعة نيويورك المؤيد لفلسطين - (أرشيفية)
‏شرطة نيويورك تقتحم احتجاج جامعة نيويورك المؤيد لفلسطين - (أرشيفية)

جو ألين*‏‏ ‏‏- (ريبل) 29/4/2024
‏يستمر نطاق النشاط المؤيد لفلسطين في الاتساع في الولايات المتحدة.‏ وعلى الرغم من الاعتقالات الجماعية للطلبة والأساتذة في الجامعات، فإن إزالة المخيمات، والتشهير المستمر بالحركة باعتبارها ‏‏"معادية للسامية"،‏‏ فشلت في إبطاء الحركة أو وقفها. ويمكن العثور على روح من الالتزام والتضامن في جميع أنحاء البلاد.

*   *   *
‏لاحظ الكاتب الراديكالي بول ستريت Paul Street اختلافًا واضحًا في ال‏‏دعوة التي أُطلقت في 15 نيسان (أبريل)‏‏ إلى "فرض ‏‏حصار اقتصادي منسق لتحرير فلسطين"‏‏ في الولايات المتحدة.

اضافة اعلان

 

ووفقًا لستريت، فإنه من إغلاق الطرق السريعة في المدن الأميركية الكبرى إلى استهداف شركات الأسلحة والطاقة إلى شركات التصنيع، "ارتقت حركة ما بعد الاحتجاج إلى المقاومة في تكساس -وحتى فيلادلفيا وكونيتيكت".

 

وقال أحد الناشطين المؤيدين لفلسطين خارج مجمع شركة "تسلا" في فريمونت، كاليفورنيا، ‏‏لمراسل‏‏ محلي: "مصنع تسلا هذا هو واحد من أكثر المصانع إنتاجية في الولاية. وهكذا في هذه المنطقة، أردنا استهداف مركز إنتاج كبير وإحداث تأثير حقا".‏


‏بينما كانت أحداث‏‏ 15 نيسان (أبريل) في الولايات المتحدة، مقلقة، فقد تمكنت السلطات المحلية من احتوائها بسهولة في نهاية اليوم. وقد تكون هذه الأحداث نذيرًا بما قد يأتي في المستقبل. ولكن في الوقت الحالي، كان انفجار الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الجامعات هو الذي صدم المؤسسة السياسية الأميركية.

 

وحتى كتابة هذه السطور، شهد أكثر من ‏‏مائة‏‏ حرم جامعي احتجاجات ومخيمات واحتلالات، حيث طالب الكثيرون بإنهاء ‏‏تواطؤ‏‏ الجامعات مع دولة إسرائيل ‏‏والاستثمار‏‏ في مُصنِّعي الأسلحة هناك.

 

وقد ألغت الجامعات غير المعروفة بنشاط الطلبة فيها، مثل جامعة ‏‏جنوب كاليفورنيا USC‏‏ حفلات تخرجها خوفًا من أن تؤدي الاحتجاجات الكبيرة المتحمسة إلى تعطيلها.‏


‏كانت ‏‏الاعتقالات‏‏ الجماعية للطلاب ‏‏وأعضاء هيئات التدريس‏‏ وغيرهم من العاملين في مجال التعليم -فضلاً عن عنف الشرطة الوحشي الذي تعرضت له- شيئًا لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. كما أن العديد من هذه الجامعات نفسها هي بعض من أكثر المؤسسات التعليمية نخبوية في الولايات المتحدة، حيث يتم اختيار قادة الشركات والسياسيين في المستقبل.

 

وقد خرّجت جامعة كولومبيا، المركز الحالي للاحتجاجات الفلسطينية، أربعة رؤساء أميركيين، بمن فيهم ‏‏باراك أوباما‏‏، على سبيل المثال. وبدلاً من أن تنتج هذه الجامعات دعاة للسياسة الخارجية الأميركية، ثمة خوف في واشنطن العاصمة من أنها ستنتج ‏‏منتقدي السياسة الخارجية‏‏.‏


‏ويقع عدد كبير من هذه الجامعات نفسها أيضًا في المدن والولايات التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي -ولاية تكساس هي الاستثناء الصارخ هنا- التي عادة ما تفخر بتنوعها وقيادتها المتطورة. على سبيل المثال، ‏‏كشفت‏‏ ميشيل وو، أول امرأة وشخص ملون يتم ‏‏انتخابه‏‏ عمدة لبوسطن، أنها ومفوض شرطة بوسطن قررا معًا إزالة مخيم فلسطين في ‏‏كلية إيمرسون‏‏ حيث تم اعتقال مائة طالب في هذه العملية. وأضافت في تصريح مجاني: "أنا ممتنة لضباط الشرطة لدينا على خدمتهم اليومية".‏


أصبحت الفجوة الآخذة في الاتساع بين القيادة الليبرالية والمؤيدة لإسرائيل في الحزب الديمقراطي من جهة، وأقلية كبيرة من السكان وغالبية ناخبي الحزب الديمقراطي من جهة أخرى تصل إلى أبعاد ‏‏حقبة حرب فيتنام‏‏.

 

وبحلول أواخر شهر شباط (فبراير)، قبل شهرين تقريبًا،‏‏ أفاد‏‏ موقع "‏‏استطلاع البيانات من أجل التقدم" بما يلي‏‏:‏


‏"حوالي ثلثي الناخبين (67 في المائة) -بما في ذلك أغلبية الديمقراطيين (77 في المائة)، والمستقلين (69 في المائة)، والجمهوريين (56 في المائة)- يؤيدون دعوة الولايات المتحدة إلى وقف دائم لإطلاق النار ووقف تصعيد العنف في غزة".‏


‏ومع ذلك، لا يبدو أن الحزب الديمقراطي يتزحزح. وقد بدأت شخصيات سياسية تحظى بالشعبية، مثل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، إليزابيث وارن Elizabeth Warren، وهي ‏‏مؤيدة‏‏ قديمة لإسرائيل، في وصف حرب إسرائيل في غزة بأنها "إبادة جماعية".

 

وأثناء حديثها في "المركز الإسلامي في بوسطن"، كما ‏‏ذكر موقع‏‏ "‏‏بوليتيكو"‏‏، قالت وارن: "إذا كنت تريدُ أن تفعل ذلك كتطبيق للقانون، أعتقد أنهم سيجدون أنها إبادة جماعية، ولديهم أدلة وافرة ليفعلوا".

 

ومع ذلك،‏‏ صوتت وارن‏‏ بإخلاص لصالح مشروع قانون تمويل الحرب الذي قدمه بايدن، والذي يغطي إسرائيل وتايوان وأوكرانيا.‏


الليبرالية في أزمة‏

 


‏من الواضح أن الليبرالية والصهيونية أصبحتا في أزمة في الولايات المتحدة. على مدى عقود، كان المدافعون الأكثر موثوقية وتطورًا عن إسرائيل هم الليبراليون الأميركيون، وبدرجة أقل بكثير المسؤولون النقابيون ذوو الخلفيات ‏‏الديمقراطية الاجتماعية‏‏.

 

ومن الصعب التنبؤ الآن بالآثار التي ستترتب على ذلك بالنسبة للسياسة الرئاسية في الوقت الحالي، بالنظر إلى التهديد الذي يشكله ترامب واليمين المتطرف في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبلة.

 

ويبقى أن نرى ما إذا كان النشطاء المؤيدون لفلسطين وغيرهم ممن روَّعهم دعم إدارة بايدن لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة سيصوتون على مضض لصالح بايدن -أو أنهم لن يصوتوا على الإطلاق.‏


لكنَّ ثمة خطًا تم تجاوزه، ومن الصعب أن نرى الأمور تعود مرة أخرى إلى أي شيء يقترب من الدعم واسع النطاق وغير النقدي لإسرائيل ومؤيديها من الحزب الديمقراطي. وكما ‏‏كتبتُ‏‏ سابقًا في "ريبيل" ‏‏Rebel‏‏:‏


‏"لقد ظهر كَسر شعَريّ في النهج التقليدي ’أهون الشرين‘ الذي اتخذه اليسار الأميركي في الانتخابات الأميركية بدعمه الحزب الديمقراطي، الذي أخرج عن مسارها وأفسد وقمع طيفًا واسعًا من حركات الطبقة العاملة والمضطهدة خلال القرن الماضي.

 

وقد عبرت مارسي بيدرازا، الناشطة في اتحاد عمال السيارات في شيكاغو، التي أصدر اتحادها المحلي أحد أهم القرارات السياسية لصالح غزة، عن هذا الشعور المتداول حول النشاط المؤيد لفلسطين:‏


’في يوم، أنتَ تدعو إلى وقف إطلاق النار، وفي اليوم التالي تؤيد مرشحًا يمول الإبادة الجماعية. لا أريد أربع سنوات أخرى من ترامب. ولكن... يجب أن تكون هناك طريقة أخرى‘".‏


‏وكانت أفضل طريقة أمكن اعتمادها في الوقت الحالي هي الاحتجاجات الطلابية والمخيمات التي تُقام في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مع ‏‏انتشار‏‏ أعمال التضامن في حرم الجامعات في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من الاعتقالات الجماعية، فإن إزالة المخيمات، والتشهير المستمر بالحركة باعتبارها ‏‏"معادية للسامية"،‏‏ فشلت في إبطاء الحركة أو وقفها.

 

ويمكن العثور على روح من الالتزام والتضامن في جميع أنحاء البلاد. و‏‏كتب‏‏ إيان برلين، وهو طالب في السنة الرابعة في جامعة ييل، على موقع (سي. إن. إن):‏


‏"عندما يرى الناس المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين وهم يُعتقلون في نفس الوقت الذي يحذر ‏‏فيه الرئيس جو بايدن‏‏ ‏‏وآخرون‏‏ من تصاعد معاداة السامية في حرم الجامعات، فإنهم يطبقون على جامعة ييل التأطير البالي نفسه -ما يفترض أنه نشطاءٌ مؤيدون لفلسطين ومعادون للسامية ضد نشطاء يهود مؤيدين لإسرائيل.

 

وبصفتي طالبًا في السنة الرابعة في جامعة ييل، فإنني أجد هذا التوصيف محبطًا للغاية، لأنه لا يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة.

 

في كل منعطف، واجهت مجتمعًا من الناشطين والمنظمين الذين يتوقون إلى الاستماع والمستعدون للتعلم، والملتزمون بتضمين الأصوات ووجهات النظر اليهودية".‏


في الواقع، كان حجم ‏‏العنف الإسرائيلي‏‏ في غزة والضفة الغربية، وعنف الشرطة هنا هو الذي دفع الحركة المؤيدة لفلسطين إلى الأمام.

 

وقد دفع هذا الواقع الكاتبة والناشطة نعومي كلاين Naomi Klein إلى الدعوة إلى الخروج من التبجيل الزائف للصهيونية. ‏‏وكتبت‏‏ مؤخرًا:‏


‏"في الأثناء، في هذه المدينة (نيويورك)، تستدعي الجامعات شرطة نيويورك وتضع المتاريس حول نفسها ضد التهديد الخطير الذي يشكله طلابها الذين يجرؤون على طرح أسئلة أساسية عليها، مثل: كيف يمكنكم الادعاء بأنكم تؤمنون بأي شيء على الإطلاق، وأقلها جميعًا نحن، بينما تقومون بتمكين هذه الإبادة الجماعية والاستثمار فيها والتعاون معها؟ لقد سُمح للمثال الصهيوني المعبود الزائف بالنمو من دون رادع لفترة طويلة جدًا. لذلك نقول الليلة: إن هذا ينتهي هنا".‏


يبدو أن المؤسسة السياسية والأكاديمية تأمل في أن ينفد الوقت، وأن تغلِق الجامعات أبوابها في نهاية العام الدراسي، وأن يعود الطلاب إلى منازلهم. لكنني لا أعرف أي شخص يعتقد أن هذا صحيح. وفي الوقت نفسه، لم يمر القمع في الجامعات من دون أن يلاحظه أحد من العديد من النقابات العمالية. ‏‏

 

وقد وقَّعت‏‏ عشرات النقابات على رسالة تدين القمع الذي يتعرض له المتظاهرون المؤيدون لفلسطين في جامعة كولومبيا، في حين ‏‏أعلنت‏‏ نقابة الممرضات الوطنية المتحدة (NNU):‏


‏"تقف الممرضات اللواتي يمثلهن الاتحاد الوطني للممرضات، أكبر نقابة للممرضات المسجلات في البلاد، تضامنًا مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المحتجين في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الذين يواجهون حملة قمع عنيفة بسبب التحدث علنًا ضد عمليات القتل الجماعي وكارثة الصحة العامة في غزة.‏


"‏تعرف الممرضات النقابيات أهمية العمل الجماعي والاحتجاج، اللذين كانا أساسيين للحركة النقابية ولجميع النضالات من أجل العدالة عبر التاريخ.

 

ونحن ندين أي جهود لتجريم أو تقييد هذه الاحتجاجات. إن حملات القمع العنيفة الرامية إلى قمع حرية التعبير المحمية تتعارض مع قيم الممرضات المتمثلة في التحدث والانتقاد علانية عندما يكون هناك خطأ يتألم الناس أو يموتون بسببه".‏


‏ثمة ذعر بالكاد يخفى ينبعث من مؤسسة الحزب الديمقراطي حول الحجم والتأثير السياسي المحتملين للاحتجاج المؤيد لفلسطين في "المؤتمر الوطني الديمقراطي" (DNC) المقرر عقده في شيكاغو في آب (أغسطس).

 

وعلى سبيل المثال، ‏‏أخبرت‏‏ كيم فوكس Kim Foxx، مدعي عام الولاية لمقاطعة كوك (التي تشمل شيكاغو)، مؤخرًا، صحيفة "‏‏شيكاغو تريبيون"‏‏ بأن سياسة مكتبها طويلة الأمد المتمثلة في عدم مقاضاة المتظاهرين السلميين بسبب الانتهاكات الجنائية ستتم مراجعتها في ضوء المؤتمر الوطني الديمقراطي القادم. وقد شعرت صحيفة ‏‏"شيكاغو تريبيون"‏‏ الرجعية بالارتياح لسماع هذا، لكنّه يجب أن يكون تحذيرًا لبقيتنا.‏

‏*جو ألين Joe Allen: عضو في مجموعة "العاصفة" Tempest، كان اشتراكيا لأكثر من أربعة عقود. وهو مؤلف كتابي: "فيتنام: الحرب الأخيرة التي خسرتها الولايات المتحدة"، و"الشعب لم يُخلق ليُحرق: قصة حقيقية عن الإسكان، والعرق والقتل في شيكاغو"، وغيرهما.

 

كتب على نطاق واسع عن صناعة الخدمات اللوجستية الحديثة و"سادة الشاي"، وكذلك عن اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، وعن السياسة المعاصرة.


*نشر هذا المقال تحت عنوان : From Protest to Resistance

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

تداعيات الحرب في غزة على المشهد العالمي (2-1)