الحكومة بين التوقعات والممكنات

اصبح استطلاع الرأي الذي يجريه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بمثابة أحد المقاييس والمؤشرات الرئيسة التي تكشف للمسؤولين والمثقفين والكتاب اتجاهات الرأي العام والنخب المؤثرة وتوقعاتها من قدرة الحكومات على التعامل مع التحديات الرئيسة على أجندتها، وتقدم قراءة وتقييما لأداء الحكومات بعد مائة يوم من تشكيلها. وهو ما يعني ان الاستطلاع أصبح بمثابة "السلطة الناعمة" أو الخامسة على أداء الحكومات ودورها.

اضافة اعلان

استطلاع الرأي الصادر بالأمس حول حكومة د.عدنان البخيت لا يحمل توقعات مفاجئة أو كبيرة، سوى ما أشار إليه الاستطلاع نفسه من ارتفاع درجة التوقعات الشعبية لشخص البخيت مقارنة بالحكومات الأخيرة. وهو ما يعني أن المسار العام للسياسات الرسمية لا يتضمن قفزات او فجوات كبيرة في رؤية الرأي العام. فهناك سياسات واضحة في المجال الخارجي والداخلي وفي الشقين الاقتصادي والسياسي، ودور محدود من الحركة للحكومات المختلفة في إطار سياسات التكيف الهيكلي من ناحية. وحدود النظام السياسي ومعادلاته من ناحية ثانية، ودور العامل الإقليمي من ناحية أخيرة.

الفارق في توقعات العينة الوطنية بين رئيس وزراء وآخر يتعلق بعوامل شخصية بالدرجة الأولى مبنية على السيرة الذاتية له. وكذلك دور الصورة الإعلامية التي قدمت البخيت لحظة اختياره وتشكيل حكومته بصيغة أعطته قبولا لدى الرأي العام، وهو ما انعكس على نتائج الاستطلاع. على صعيد التحديات والأولويات في أجندة الحكومة، فهناك العديد من القضايا الثابتة التي تواجه الحكومات الأردنية. مع وجود متغيرين جديدين على جدول الحكومة الجديدة  الأول هو الجانب الأمني والثاني مخرجات الأجندة الوطنية.

على الصعيد الأمني، فقد انتقل الأمن بعد أحداث عمان ليحتل مرتبة متقدمة في أولويات الحكومة، وهو ما ظهر واضحا في خطاب العرش في افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، إذ تم التأكيد على أهمية صوغ استراتيجية أمنية جديدة، وعلى ربط الإصلاح السياسي ببيئة أمنية متينة. ومما ظهر من نتائج استطلاع الرأي فإن الثقة الشعبية والنخبوية على السواء لم تهتز بقدرة الحكومة على مواجهة التحدي الأمني، إذ بلغت لدى العينة الوطنية 86% ومن قادة الرأي 88% وهي اعلى نسبة على الإطلاق في توقعات نجاح حكومة بدران. بالتأكيد هذا الإجماع لم يأت من فراغ فهناك قدرة تاريخية مشهودة في الأردن على صيانة وحماية الاستقرار السياسي من ناحية، ولسرعة الكشف عن هوية منفذي تفجيرات عمان من ناحية ثانية.

المتغير الثاني هو استحقاق الأجندة ومخرجاتها، ومن الواضح أن الجانب السياسي الداخلي قد طغى على الاستطلاع، خاصة ما يتعلق بقانون الانتخاب والأحزاب، وقانون البلديات، وقد أشار إليها كتاب التكليف الملكي. وتشير التوقعات إلى تفاؤل نسبي لدى العينة الوطنية وقادة الرأي بخصوص هذه الموضوعات.

ويبدو واضحا من الاستطلاع أن هناك توقعا كبيرا لدور السياسة الخارجية الأردنية والتحديات الإقليمية الرئيسية بالتحديد الوضع في فلسطين والعراق، إذ تحتل السياسة الخارجية الدرجة الثانية من التوقعات - مع تطوير قطاع التربية والتعليم- بعد التوقع الأمني. لكن ما يلفت الانتباه في مجال السياسة الخارجية أن الاستطلاع لم يتطرق إلى القضايا التي تمثل فجوة أو اختلافا بين الموقف الرسمي والشعبي، وأول هذه القضايا العلاقة الأردنية- الأميركية وقضية التطبيع مع إسرائيل، أو الموقف من الحكومة العراقية ودور الأردن في عملية التسوية السلمية. وقد سألت د. فارس بريزات المشرف على الاستطلاع حول غياب هذه الأسئلة عن الاستطلاع، فقال ان الاستطلاع – من ناحية منهجية- يتناول الأولويات الواردة في كتاب التكليف لمعرفة توقعات الناس. وهذه القضايا لا تمثل أولويات بالنسبة للحكومة.

في الجانب الاقتصادي، تبدو الفجوة واضحة في التوقعات بين قدرة الحكومة على المضي في سياسات التكيف وجذب الاستثمار وهي توقعات مرتفعة، وبين معالجة قضيتي الفقر والبطالة وهي توقعات منخفضة، ما يشير أن هناك إدراكا شعبيا ونخبويا على السواء لا يرى أن التكيف الهيكلي والاستثمار يمثل ديناميكية اقتصادية فاعلة في مواجهة آفات البطالة والفقر، وهو إدراك مختلف تماما عن التوجه الاقتصادي الرسمي من جهة. ويطرح مرة أخرى أولويات الفقر والبطالة كمعضلات تواجه الحكومات في حين تنخفض نسبة التفاؤل بالقدرة على مواجهتها من جهة أخرى.

معضلة أخرى وأخيرة يكشف عنها الاستطلاع هي عدم وجود تناغم بين توقعات العينة الوطنية وقادة الرأي. ما يعني أن الفجوة بين المجتمع وبين الطبقة السياسية والثقافية تأخذ في التجذر والاتساع، وهذا بحد ذاته مؤشر سلبي كبير!

[email protected]