الطبقة الوسطى بين الواقع والدراسات

آخر دراسة حول الطبقة الوسطى صدرت عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي العام 2010، بدعم من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وبالتعاون مع دائرة الإحصاءات العامة. وقد صنفت الدراسة في عداد الطبقة الوسطى كل من يشكل إنفاقه السنوي ضعفي خط الفقر على الأقل، ولا يتجاوز أربعة أضعاف خط الفقر. وطبقاً للدراسة، فقد بلغت نسبة الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية 32.2 %، وفي المناطق الريفية 22.2 %. وحيث إن سكان الحضر يمثلون 80 % من إجمالي السكان، فإن نسبة الطبقة الوسطى إلى إجمالي السكان، بحسب معطيات الدراسة، تبلغ 30 %.اضافة اعلان
وكانت دراسة "تقييم الطبقة الوسطى في الأردن"، الصادرة العام 2008، والتي اعتمدت منهجية للتصنيف تختلف عن المنهجية التي اعتمدتها الدراسة الأخيرة الصادرة عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي، قد أشارت إلى أن الطبقة الوسطى استحوذت على 37.5 % من إجمالي الدخل في المملكة، وعلى 42.8 % من إجمالي النفقات. وانتهت إلى أن الطبقة الوسطى تشكل 41 % من نسبة السكان في المملكة.
بغض النظر عن منهجيات الدراسات في تصنيف الطبقة الوسطى والمنتمين إليها في أي بلد، طالما أنها تختلف بدرجة غير قليلة، فإن منهجية الأرقام المجردة تعطينا تصوراً أكثر وضوحاً للواقع الأردني بالذات. فمن المعلوم أن خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية المقدرة بـ5.6 فرداً، وبحسب وزارة التخطيط، يبلغ 350 ديناراً شهرياً. بينما كشف أحدث تقرير للرصد العمالي حول الموضوع أن بيانات دائرة الإحصاءات العامة تشير إلى أن 72 % من الدخول الشهرية في الأردن تقل عن 392 ديناراً، لتبلغ صعوداً 412 ديناراً بحسب مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وإذا كان 72 % من الدخول تقل عن 392 ديناراً أو 412 ديناراً شهرياً، وكان خط الفقر المطلق هو 350 ديناراً، فإن ذلك يعني أن 72 % من أصحاب الدخول أقرب إلى خط الفقر، أو يتموضعون عنده أو دونه. وهذه المؤشرات الرقمية الواقعية تدحض ما توصلت إليه الدراسات بأن نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع الأردني هي 41 % أو حتى 30 %؛ لأنه إذا طرحنا من إجمالي السكان نسبة من دخولهم حول خط الفقر وتحته، والمقدره بـ72 %، فإن ما يتبقى من المجتمع هو 28 % فقط. وبفرض أن نسبة الطبقة العليا هي 5 %، فإن كل ما يتبقى من السكان هو 23 % تشمل الطبقة الوسطى ومن هم أقرب إليها من قربهم إلى خط الفقر. وعليه، فإن الحد الأعلى لما يمكن أن تبلغه نسبة الطبقة الوسطى من مجموع السكان هو في كل الأحوال أقل من 23 %.
حماية البنيان الاجتماعي تتطلب إحياء الطبقة الوسطى التي تراجعت اقتصادياً وسياسياً في العقدين الأخيرين. وتحتاج إعادة إحيائها إلى حلول اقتصادية مالية وأخرى سياسية. ومالياً، لا بد من تحسين الدخول ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير التمويل اللازم لهذه الطبقة للقيام بمشروعات خاصة أو دعم المشروعات القائمة لحسابها، وتخفيف ضريبة الدخل عن كاهلها، وإعادة النظر في ضريبة المبيعات الظالمة التي تساوي بين الغني والفقير.
وعلى الصعيد السياسي، ينبغي إنصاف هذه الطبقة بجملة من السياسات، أبرزها التخفيف من سطوة الطبقة الغنية على القرار السياسي، والالتزام بنصوص الدستور في إشغال الوظائف الحكومية بصورة تنافسية عادلة ونزيهة، تسمح لها بالصعود والتمثيل في دوائر القرار، وتحسين قانون الانتخاب ونزاهة الانتخابات حتى لا تذهب مقاعد مجلس النواب للأغنياء ولمشتري الأصوات على حساب باقي الفئات الاجتماعية، بما فيها الطبقة الوسطى.

[email protected]