"حماس" والهوى الإيراني

ليس تصيداً لأخطاء حركة حماس ابداً، ولا رغبة في تظهير صورة هذه الحركة على غير ما هي عليه حقاً، لا سيما بعد ان استجابت لشروط المصالحة الفلسطينية بعد عناد استمر عشر سنوات بلا طائل، وقطعت قيادتها الجديدة خطوات لا بأس بها على طريق انهاء ثنائية الحكم في الاراضي التي لا تزال محتلة، ناهيك عما ساد في قطاع غزة من اجواء متفائلة بقرب فك الحصار عن نحو مليوني انسان، انزلقت حياتهم الى مستويات حياة لا تشبه الحياة، وتطلع الفلسطينيون في الداخل والخارج، بأمل، الى استكمال بقية الخطوات الاخرى على درب المصالحة.اضافة اعلان
غير انه ما ان انفض حفل التوقيع على اتفاق المصالحة هذه، وقبل ان يجف مداد الحبر الذي كُتبت به، كان وفد حمساوي رفيع المستوى يحط رحاله في طهران، لتسويغ مبررات التحول في موقف الحركة المجاهدة، نحو اتجاه تصالحي لا يلائم استراتيجية ايران القائمة على زعزعة الاوضاع في العالم العربي. ولم يقصّر الضيوف المسكونون بهوى ايراني عميق، في كيل المدائح للجمهورية الاسلامية، التي تعد حسب قولهم اكبر داعم للمقاومة الفلسطينية، ولم يترددوا في اعلان عودة العلاقات بين الطرفين الى سابق عهدها قبل "الربيع العربي".
لم تثر تلك الزيارة التي اتت معاكسة لاتجاه الريح المواتية، ردود فعل سلبية كبيرة من جانب شريك حركة حماس في اتفاق المصالحة، الا ان بعض التعليقات المتفرقة اعربت عن توجسها في حينه، قائلة ان تلك الفعلة غير المطمئنة قد لبّدت الاجواء الفلسطينية بغيوم ايرانية سوداء، وان هذا التحرك يشي بما لا تحمد عقباه، اذا استمر الباب مفتوحاً امام تدخلات نظام الولي الفقيه في مطرح آخر من جغرافية الاراضي العربية المستباحة، ثم مرت الايام تباعاً دون ان تسفر هذه الزيارة عن نتائج يعتد بها، بما في ذلك عودة الدعم المالي الى خزينة "حماس" المزعزعة.
ويبدو ان الحركة الاصولية المعزولة، التي تستبد بها عقلية الحصار المديد، لم تيأس من الوعود الايرانية بالدعم المالي والتسليحي، فعمدت الى اهتبال مناسبة وفاة والد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، كي يقوم الشيخ اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي المنتخب بإرسال برقية تعزية، باللغة الفارسية، الى الجنرال الايراني الشهير في بلادنا العربية، ثم أتبع ذلك بإرسال وفد حمساوي كبير الى بيت العزاء، ليقدم الواجب الذي لم يقم به رئيس الحكومة العراقية مثلاً، فيما اكتفى الرئيس السوري بإرسال اكليل من الزهور فقط.
لم تفشل المصالحة، وقد لا تفشل في المدى القريب، غير ان دخول ايران على الخط، من شأنه ان يعزز المخاوف من سعي "حماس" التي تقول انها تركت الحكومة مكرهة، ولم تترك الحكم، الى نسخ تجربة حزب الله في غزة، ومن ثمة العودة الى ما يُعرف باسم معسكر الممانعة، لا سيما وان هناك وساطة نشطة، يقوم بها الذراع الايراني في لبنان، لإعادة المياه الى مجاريها بين النظام السوري والخرزة السنية الزرقاء في التحالف الشيعي، وهو ما يعني ان حركة حماس ذات العقلية الانقلابية، تبطن غير ما تعلن ازاء ما يتصل بمستقبل عملية المصالحة.
مهما تذرعت "حماس" التي كثيراً ما تطق النار على اقدامها، لتسويغ عودتها الى الحضن الايراني، فإن هذه العودة لن تكون محل قبول من جانب السلطة الفلسطينية، المحسوبة على معسكر الاعتدال العربي، الامر الذي سيثير الشكوك العميقة، ويكبح الاجراءات المجدولة على طريق انهاء الانقسام. كما ان هذه العودة المشؤومة، من شأنها تبديد قوة الدفع العربية والدولية التي وقفت وراء عملية المصالحة، خصوصاً في هذه الآونة التي تتصاعد فيها حدة العداء لنظام الملالي، وتسود مناخات تنذر بحدوث شيء ما، في مكان ما، ضد المشروع التوسعي الايراني.
ويبقى السؤال مشروعاً حول ما اذا كانت "حماس" عديمة الحساسية الى هذا الحد، حيال مشاعر ملايين السوريين والعراقيين، الذين أراق الجنرال قاسم سليماني دماء عشرات الآلاف منهم، وهي تتزلف له في مأتم والده، معتقدة ان مصير غزة اهم من مصير بلاد الشام وارض السواد، مقترفة الخطأ الذي لا يمكن اصلاحه، عندما تختار الوقت الخطأ ايضاً، للتحليق مجدداً في السرب الايراني.