خلاصة "مواجهة" العدوان..

في كتابه "المواجهة بالكتابة"، يطلق الزميل طاهر العدوان رصاصة التنبيه الأخيرة صوب إحداث إصلاح نقي، وذلك من خندق الصحافة، التي حمل لواءها مجددا بعد أن اكتشف أن السياسة "لعبة" تخلو من "الضمير والوطنية" حين انضم إلى الحكومة العام 2011.اضافة اعلان
في هذا الكتاب الجريء استثنائيا، يكشف رئيس تحرير (العرب اليوم) بين عامي 1997 و2011 عن العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار السياسي - حين حمل حقيبة الإعلام – وكذلك كواليس اتخاذ القرار والصراعات بين التيارات المتكاسرة؛ خصوصا بين من يصنفون بالليبراليين الجدد والمعارضين لنهج تقويض الولاية العامة، فكفكة الدولة وخصخصة مقدراتها في صفقات بعضها تنطوي على شبهات بالفساد.
يستحضر العدوان أيضا تداعيات الصدام الخفي والمعلن بين تلك التيارات وانعكاس ذلك على عرقلة خطط التنمية وبرامج الإصلاح.
تلك الوصفات الطارئة الهابطة بـ"الباراشوت" على شعب يئن تحت وطأة الفقر وفقدان فرص التنمية أفضت إلى سلسلة انهيارات في الإدارة العامّة ومنظومة القيم والأخلاق، فضلا عن تراجع معظم القطاعات اقتصاديا وتنمويا.
ويتضمن الكتاب سردية روائية لسجل العدوان الصحفي على مدى نصف قرن، مذ خطّ أولى كتاباته في صحيفة الرأي العام 1971، وصولا إلى صراعه الداخلي بين العودة إلى متاريس الصحافة أو الاستمرار في الدوار الرابع.
"قناعاتي (في الاستمرار بالحكومة) اهتزت بعد أقل من أسبوعين على تشكيلها" حين اعترضت مجموعات مُجهزّة بالعصي "مسيرة سلمية لأحزاب المعارضة وفئات شعبية أخرى"، حسبما يستذكر في الكتاب. وفي المحصلة، عاد الصحافي إلى "طبعه" الذي غلب "التطبّع"، في احتجاج على تمرير قانونين سالبين لحرية الإعلام: مكافحة الفساد والمطبوعات والنشر. فرض هذين القانونين نسف فلسفة ورسالة استراتيجية متطورة للإعلام كان "الوزير" قد صاغها بناء على طلب من الملك بعد التشاور مع اللاعبين الرئيسيين في هذا القطاع.     
ويستغرب الكاتب والمحلل السياسي كيف أن "خبرا صغيرا لصحفي يخطئ فيه باغتيال الشخصية (يعد) جريمة" بينما قرارات قمعية تحمل في طيّاتها فسادا إداريا وماليا "لا تشكّل جريمة"، بل تغطّى "كأنها حادث سير بسيط"؟ 
يرجع العدوان إفلاس الصحف إلى "غياب الحرية في النشر، وتجنّب فتح الملفات التي تشغل بال الرأي العام بقوة وجرأة". وهو يرى أنه "لا يمكن أن تتقدم صناعة الإعلام وحرية الرأي بوجود صحفيين يرتعدون من مجرد التفكير بالمواجهة المتسلحة بالحقائق والمعلومات مع مراكز القرار".
ويخلص العدوان – من حصاد تجربته الثنائية في الصحافة والسياسة- إلى أن جميع الوعود ومشاريع الإصلاح على مدى العقدين الماضيين كانت مجرد "طبخات من الحصى والماء" كانت الحكومات "تغمّس (خلالها) خارج الصحن"، بينما تعزّزت سطوة التيار المتنفذ على حساب قوت الشعب وتطلعاته.
حفل إشهار كتاب العدوان شهد حضورا كثيفا - في مقدمته أصحاب دولة ومعالي إلى جانب أقطاب في المعارضة والأحزاب- ما يعكس حجم التعطش للإطلاع على أسرار وخبايا سبقت وواكبت صدور قرارات مفصلية، لا سيما خلال ما سمّي بـ"الربيع العربي"، بدءا من عام 2011.     
يسجّل للعدوان أنه ثاني وزير إعلام يحتج علنا ويغادر مطبخ السياسة طوعا بعد  ليلى شرف، التي تركت حكومة أحمد عبيدات العام 1984 برسالة استقالة عرّت فيها آنذاك طبائع السياسيين ونهمهم للسلطة والنفوذ.
ويستذكر  لقاءه وزميليه فهد الخيطان وسلامة الدرعاوي مع الملك والملكة رانيا عقب استقالتهم من "العرب اليوم" أواخر 2011. كان واضحا من هذا اللقاء أن "الملك هو في صف الحريات الإعلامية والصحفية المسؤولة تحت سقف القانون، (حتى) إن تعارض هذا مع السياسات الرسمية وقارعها بالاختلاف والحجّة والمعلومة كما كانت عليها سيرة العرب اليوم وكتّابها وصحفييها".
يتحرك المسرح الزمني "لمواجهة العدوان" بين عامي 1997 و2011، وهي حقبة شهدت منعطفات جذرية في تاريخ الأردن بين المملكة الثالثة والرابعة، وما رافق ذلك من تحولات في تلاوين النخب واستقلابات في رجالات السياسة والمال.
من أرشيف "اليومية" التي أغلقت منتصف 2013 بعد عقدين من التحليق، يستحضر العدوان محطّات الاشتباك بين الصحافة المستقلة والحكومات في عهدي الراحل الحسين بن طلال والملك عبدالله الثاني. ويشرح كيف قاربت الصحافة قضايا مفصلية شغلت الرأي العام؛ في مقدمتها "محاولة اغتيال خالد مشعل" (1997)، "المعركة الكبرى وتلوث المياه" (1998)، "تغيير ولاية العهد" (1999)، وقائع ما يسمّى بالربيع العربي في الأردن، تزوير الانتخابات التشريعية (2007) والمواجهة بين محمد الذهبي وباسم عوض الله.
بعد أن يكتشف "وهم" التغيير ويرتطم بجدران الاستعصاء فينكفئ إلى قلمه، يستخلص العدوان أن مفتاح الإصلاح والنهضة يكمن في رفع القيود عن الصحافة: "لن يكون هناك إصلاح سياسي أو اقتصادي إلا إذا بدأنا في الإعلام؛ لأنه هو الذي يخلق الرأي العام لمساندة هذا الإصلاح، وهو الذي يبني الجسور بين الدولة والحكومة من جهة وبين الشعب".
فهل يشكّل هذا الكتاب – مع غيره من الأصوات المنبهة إلى الخطر من انزياحات طريق الإصلاح- محفزّا لصانعي القرار لإعادة التفكير بمواطن الخلل وتحديد البوصلة باتجاه الخروج من دوائر الوعود المغلقة؟ ثمّة أمل في مراجعة الأخطاء والبناء على الإيجابيات، التي واكبت مسيرة هذا البلد المحاط باضطرابات زلزلت أركان دول مجارة.