خيط رفيعٌ من الأمل

في ظلِّ انهياراتٍ محليّةٍ وقوميّةٍ جُلّى، وسفه أنظمةٍ متداعيةٍ، ورضوخٍ شعبيٍّ شبه كاملٍ، حيثُ تبدو صورةُ المستقبلِ قاتمةً إلى درجةٍ لم نعد لنستبينَ التفاصيلَ القادمة، ولا حتى تخيّل معالمِها.. حرّك قرارٌ أميركيٌّ أهوج الشعوبَ من يأسِها المطبق، لتجدَ أنها مازالت قادرةً على التحدي والرّفضِ، وهو أحسنُ ما أحدثَته فعلةُ ترامب. فالتحرك الشعبيّ لم يقتصر على أنه أعاد إلى الأذهان ألَقَ سنواتِ العنفوانِ القوميّ فحسب بمواجهةٍ جليّةٍ للكيانِ الغاصب وأمّه أميركا، بل في إلقاء الخوفِ، وعلى الأقلّ الحذر، في قلوبِ الأنظمة التي هرعت إلى أحضان الصهيونيّةِ، تلتمسُ رضى الرجل الشعبويّ الأحمق. فليسَ متوقَّعاً بعد اليوم أن تتجرّأ هذه الأنظمة على تطارح الزيارات أو تبادلِ الغرام العلني مع الكيان الصهيوني، خوفَ أن تنتقلَ عدوى الاحتجاجات الشعبيّة إلى بلدانها. اضافة اعلان
بل إنَّ من حسنات هذا القرار أنَّه أحيا روحَ المقاومة التي كانت خامدةً بفعل المآسي اليوميّة من الحروب والهجرات الجماعية والكوارث الحياتيّة المتنوّعة وعلى رأسها الحريات والإفقار. وهي روحٌ تجاوزت الاحتجاج بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجيّة، إلى التفكير بسبُلٍ فعالةٍ تؤذي المحتل وأمه في مصالحهما، كمثل تقوية حركة المقاطعة BDS بأساليبها الفعالة. وإذ هناك أملٌ معقودٌ على إلغاء أوسلو والمعاهدات الأخرى، فإن ذلك يعني أننا عبرنا من مرحلة اليأسِ المطبقِ إلى مرحلة مراجعة التاريخ الذي لم يأتِ مع معاهداته إلا الهوان. وهي خريطةٌ مفتوحةٌ لكلِّ قارئٍ وقارئة، حيثُ لن يجدا فيها إلا مزيداً من التمدد السرطاني في الجسد الفلسطيني، بل في الجسد العربيّ كله. ولربما، بل والمأمول، أن هذا الحصار النفسيّ والسياسيّ للقادة الثلاثة سينتجُ عنه أن يعيدوا النظر في الالتزامات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية تجاه الكيان الصهيونيّ، وهو مما سيجعلُ شعوبهم أقلّ قلقاً في مواجهةِ مصيرٍ مظلم.
لقد شعرتْ وزارة التربية الأردنية، إثر هذا الزلزال الأميركي، كم كانت مقصّرةً تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن قصقصت معاهدةُ وادي عربة أصابعَ وأيدي الشعور القومي تجاه فلسطين، بحذفِ وتعديل المواد التي تتعلّقُ بالقضيّة. وليس توجيه الوزير بتخصيصِ يومٍ مدرسيٍّ للقدس، إلا بدايةَ سير العجلة نحو مزيدٍ من إعادة الاعتبار لفلسطين في وجدانِ المعلم/ة والطالب/ة.
وإذا كنا كشعوب ما زال أمامنا الكثير لنفعله كجماهير ضغطٍ، فإننا لن نعدمَ ما نتمسّكُ به، حتى لو كانت قراءتي هذه متعجّلة، أو طموحة، ما دمنا قد فرغت جعبتنا إلا من هذا الأملِ الشاحب الذي سنحرصُ على رعايته والعناية به.
الأمل يجدد الطاقة الإيجابية ويشجع على العمل.