دورية مرور لكل سيارة!

من الأمور التي باتت تبرز كظاهرة في الفترة الأخيرة هذا الحضور المكثف لدوريات السير، سواء على الطرق الرئيسية أو على الطرق الفرعيّة؛ أي داخل الأحياء السكنية، فأنت إذا سافرت بسيّارتك من عمّان إلى إربد، فستمرّ بخمس عشرة دورية أو أكثر، وأنتَ ما إن تتوقّف عند دورية وتبرز رخصتك ورخصة السيّارة وتسير بضعة كيلومترات حتى تُفاجأ بدوريّة جديدة تكمن لك في منعطف -غالباً ما يكون غير مرئي- وترفع لك إشارة الوقوف! في عمّان أيضاً، ربّما يجري توقيفك مرّة أو عدّة مرّات لمجرّد خروجك من المنزل من أجل شراء ربطة خبز! وهكذا يمكن لك أن تدفع قيمة مخالفة رادار بثلاثين ديناراً أو أكثر من مخالفة جرّاء مشوار الخبز هذا!

الأمر الآخر هو تلك الكاميرات التي تمّ زرعها في الأنفاق والجسور، والتي يعرف أو لا يعرف المواطن بوجودها، والتي تلتقط المخالفات له وتُراكِمها على كاهله!

وهكذا فالمواطن حين يذهب ليرخّص مركبته يدفع مبلغاً كبيراً من المال جرّاء تلك المخالفات، ثمّ إنّه لا يستطيع أن يُجادل في أمر المخالفات التي تلتقطها الكاميرات له سرّاً! وفي هذه الحالة يلعن المواطن المقهور، اليوم الذي امتلك فيه السيارة -ينبغي أن نقول اشترى لأن ملكية السيارة قد تكون ظلت للبنك- ويود لو يتخلص منها ويبيعها بثمن بخس.

دوريات المرور زادت على حدها، بحيث أصبحنا نمتلك دورية مرور لكل سيارة. الكاميرات تناسلت في الطرق فاشتغلت في تصوير الهواء الطائر، وكل ذلك على حساب جيب المواطن الذي يجري افتراسه بأكثر من وسيلة، فالضرائب العجيبة التي لا يوجد مثلها في كل دول العالم من جهة والغلاء من جهة والرسوم الجامعية من جهة ومخالفات المرور من جهة!

طبعاً لا يشك أحد في نية الأخوة رجال السير الذين يسهرون على سلامة أمن المواطنين في الطرق، ولكن قضية السير عموماً وأخلاقيات المرور ينبغي أن يتشربها المواطن العادي ويؤمن بها، بحيث تتكون لديه القناعة وبالتالي السلوك السليم وتطبيق قواعد المرور ذاتياً، وإذا لم نصل إلى هذه النتيجة ولم تتشكل هذه القناعة، فلن نحصل على نتائج مرضية أبداً.

من جهة أخرى، هناك أخطاء متراكمة تم ارتكابها، وما تزال ترتكَب في شق الشوارع، وتخطيط المدن بشكل عام، ومن أجل معالجة تلك الأخطاء يجري لاحقا فرض سرعات متعددة في الشارع نفسه وبالتالي وضع الدوريات والكاميرات. خير مثال على ذلك هو شارع الأردن الذي كلف الخزينة خمسة وأربعين مليون دينار، فهناك خطأ واضح في الشارع يتمثّل في ذلك الانحدار الحاد في المنطقة التي تلي مستشفى الملكة علياء -وقد تناولته الصحافة الأردنية في حينه وكتبت عنه ولكن أحدا من المسؤولين لم يحرك ساكنا فبقي الخطأ كما هو- ونتيجة لذلك فقد حدثت مجموعة مرعبة من حوادث السير إبان افتتاح الشارع، مما تطلب وضع (ثلاث) دوريات ثابتة، فيما بعد، بالإضافة إلى الكاميرات، في مسافة لا تتجاوز الكيلومترين.

اضافة اعلان

إن وجود هذا العدد الهائل من دوريات المرور والكاميرات هو مؤشر غير صحي بحد ذاته. إنه دليل على خلل واضح في عملية المرور، وفي رسالة السير بشكل عام. الأصل في تلك الرسالة أن تنبثق من أعماق المواطن لا أن يجري فرضها عليه.

[email protected]