ديكتاتوريّة الطفولة

تشير الإحصاءات الأخيرة التي ظهرت حول عمالة الأطفال في الأردن، إلى وجود 33 ألف طفل عامل، وهو عدد كبير نسبيّاً كما نرى قياساً بعدد السكّان في الأردن! أمّا عن عمل هؤلاء الأطفال فقد كان متوزّعاً بين البيع (الحرّ) في الشوارع، والعمل في ورشات البناء والمحلات وأسواق الخضار، غير أنّ النسبة الأكبر لعمل الأطفال كانت تتركّز في قطاع الميكانيك. الإحصاءات الأخيرة أشارت أيضاً إلى إلقاء القبض على 1152 طفلاً من الأطفال العاملين، وذلك في المدّة الممتدّة ما بين شهر تمّوز 2009، وشهر آذار 2010، كما أعلنت عن ذلك السّيّدة شيرين الطّيّب رئيسة قسم عمل الأطفال في وزارة العمل.

مثل هذه الأرقام تُعد مؤشّراً خطراً على الوضع القاسي الذي وصلت إليه الطفولة. فهؤلاء الأطفال الذين ذهبوا إلى العمل هم في الواقع متسرّبون من صفوفهم ومدارسهم، وقد تركوا الدراسة من أجل إعالة أسرهم التي ترزح تحت وطأة الفقر، كما أنّ الأعمال التي يقومون بها غالباً ما تُعرّضهم إلى عدد كبير من المشاكل. إنّها تشبه المستنقعات الموبوءة، لما تسبّبه من انحرافات وتشوّهات وأمراض اجتماعية وجسديّة لشريحة الأطفال.

الذي استغربتُه أشدّ الاستغراب كان في طريقة الحلّ، التي تمثّلت باللجوء إلى إلقاء القبض على هؤلاء الأطفال (العاملين). لقد تساءلتُ: هل يمكن لنا أن نكتفي بحلّ المشكلة من خلال مطاردة هؤلاء الأطفال وضبطهم فقط؟ وإذا ما قمنا بهذه العمليّة فهل نستطيع الوصول إلى الأطفال العاملين كافة، وفي جميع المواقع؟ وبالتالي هل نستطيع وضع حدّ نهائي لهذه الظاهرة؟

إنّ المتتبّع للأسئلة السابقة لا يمكن له إلا أن يخرج بنتيجة واحدة، وهي أنّ عمليّة إلقاء القبض على الأطفال العاملين محاولة لا تحلّ المشكلة. إنّها تحاول أن تخبّئها. إنّ الحلّ الحقيقي يكمن في دراسة المشكلة من جميع جوانبها، واستقصاء أبعادها، من خلال مؤسّسات بحثية وكوادر متخصّصة، ويُشهَد لها بالكفاءة والنّزاهة. بعد هذه الدراسة، يتم تقديم خطّة طموحة وواقعيّة، أي قابلة للتطّبيق، ومن ثمّ تنفيذ تلك الخطّة بتفاصيلها كافة.

إنّ الخطّة السابقة ينبغي ألا تكتفي بحلّ موضوع عمالة الأطفال، وإنّما ينبغي لها أن تتصف بالشموليّة وبالعمق إزاء شريحة الأطفال، وما يهمّ هذه الشريحة في جميع المجالات، وبذلك يمكن القول إنّ علاج عمالة الطفل هو مجرّد خطوة صغيرة في سلسلة طويلة من الإجراءات.

ثمّة أفكار وخواطر في هذا المجال، تتداعى في الذّاكرة، ويمكن لها أن تكون بمثابة اقتراحات أوّليّة على طريق الاهتمام بالطّفل وحلّ قضاياه. أوّل هذه الأفكار يتّصل بالجانب التثقيفي، وهنا لا بدّ من إنشاء دائرة لثقافة الطّفل تعمل على نشر كتب ومجلات الأطفال، وتوفّرها بأسعار زهيدة. لا بدّ أيضاً من إنشاء محطّة فضائية خاصّة بالطّفل على مدار الوقت يشرف عليها ويديرها اختصاصيّون في حقل الطفولة. إعفاء أغذية الأطفال وأدويتهم وملابسهم وألعابهم من الضريبة الجمركية، وإعفاء الأطفال من ضريبة السّفر. التّدخّل لحماية الأطفال من أيّ اعتداء يقع عليهم، سواء من المدرسة أو البيت أو الشارع، وتخصيص عدد من الخطوط الساخنة التي بإمكان الأطفال الاتّصال عبرها، للإبلاغ عن أيّة مشاكل يتعرّضون لها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تجري تلك الاتصالات مع مراكز متخصّصة، وليس مع الشرطة.

اضافة اعلان

توصف الدول التي تقدّر أطفالها وتحبّهم وترفع من سويّتهم، بأنّ لديها ديكتاتوريّة خاصّة، هي ديكتاتورية الطفولة، فهل نخطو الخطوة الأولى باتّجاه تلك الديكتاتوريّة الرحيمة!!

[email protected]