طريقنا إلى حكومة برلمانية

تقدم مطلب الحكومة البرلمانية على سلم أولويات مطالب الشارع بشأن الإصلاح السياسي، يكشف توق الأردنيين لحياة سياسية حقيقية، وتحولات عملية تفتح لهم أبواب المشاركة فيما يخص حاضر حياتهم ومستقبلها. ومن باب رد الفضل لأهله، فالشكر مستحق لجيل الشباب الذين كان حضورهم في المشهد العام، ولأمد قريب محط استخفاف الآباء والأجداد؛ وإذ هم يفاجئون الجميع، ويدهشونهم بحضورهم الواعي، ويدينون ترحيل الأجيال السابقة لمسؤولياتهم إلى من بعدهم.اضافة اعلان
لن يلبي طموحات المطالبين بحكومة برلمانية حصر برلمانيتها بثقة مجلس النواب، في ظل تجربة مريرة سابقة مع هذه الثقة التي تحولت إلى دعابة لم تعد تقنع حتى رعاتها. وكذلك تطعيم الحكومة بعدد من النواب الذي انتهى كتجربة فاشلة بكل المقاييس. أما استشارة نواب المجلس المقبل حول رئيس الحكومة وفريقه، مهما كانت الآلية المتبعة في ذلك، فلن تضفي على الحكومة صفة البرلمانية، طالما أن الاستشارة لا تؤخذ من كتل برلمانية حزبية، ولا من كتل برلمانية مستقرة على تجربة سياسية وبرامجية تراكمية يعتد بها.
بالعودة إلى الأصل، وهو ما تمثله الحكومات البرلمانية في الديمقراطيات الناجزة، فلا حكومة برلمانية بلا أحزاب تتنافس للوصول إلى البرلمان؛ ولا حكومة برلمانية من غير انتخابات نيابية تقوم على أساس هذا التنافس، ليتخذ الناخبون قرارهم بالاختيار بين مرشحي الأحزاب المختلفة بناء على المفاضلة بين ما تطرحه من برامج لإدارة البلاد. فالمطلوب في النهاية هو أن يتم تكليف زعيم الحزب الذي يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان بتشكيل الحكومة، أو زعيم الكتلة البرلمانية التي تقود أكبر ائتلاف برلماني، مقروناً بحصوله على تأييد الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان.
انتخاباتنا النيابية المقبلة تفتقد إلى التنافس الحزبي، لأن الأحزاب
–ببساطة- غير موجودة أو غير جاهزة للتنافس فيها. ولا أمل، في ظل قانون الصوت الواحد، بنواب يمثلون الإرادة الحقيقية للشعب، ولا بكتل برلمانية مستقرة ذات خبرات تراكمية وإرادات مستقلة يعوّل عليها في عقد تفاهمات جادة وناضجة تستطيع أن تجمع خلفها أكثرية نيابية قادرة على التوافق على برنامج سياسي، وعلى اختيار رئيس للحكومة يتبنى هذا البرنامج، ومعاونة هذا الرئيس في اختيار فريقه الوزاري، وحشد التأييد له ودعمه. ما يعني أن لا أمل لنا بالحصول على حكومة برلمانية بعد الانتخابات المقبلة، وأن ما يُرفع حتى الآن من شعارات لتشكيل حكومة برلمانية لا يمتلك أي فرصة للتطبيق على أرض الواقع.
لا داعي لإطلاق شعارات لا قِبل لنا بتحقيقها، حتى لا نعرض أنفسنا للمحاسبة على فشلنا في تطبيقها. ما يستطيعه الأردن حالياً، وبإمكانه تحقيقه، هو التدرج خطوة خطوة في طريقه للانتقال إلى الحكومة البرلمانية، على أن يبدأ الاستعداد لذلك من الآن بحزمة من الخطوات، تشكل معاً استراتيجية متكاملة لهذا الانتقال خلال أربع سنوات، يحين أوانها مع مجلس النواب بعد القادم.
الاستعدادات المطلوبة تبدأ بإجراء انتخابات المجلس المقبل بصورة نزيهة بعيدة عن التدخلات الرسمية والمال السياسي، يتبعها اختيار شخصية توافقية تتمتع باحترام شعبي لرئاسة الحكومة المقبلة، وفريق حكومي يتسم بالنزاهة والكفاءة والخبرة في العمل العام والإدارة الحكومية. على أن تستمر الحكومة في عملها طالما استمرت ثقة مجلس النواب بها. يلي ذلك تعديل قانون الانتخاب على نحو توافقي إيجابي، يضمن قيام كتل برلمانية حقيقية. وأخيراً، القيام بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة للتأسيس لتشكيل حكومات برلمانية، يكون لمجلس النواب رأي في إقالتها، وصولاً إلى ربط إقالتها مستقبلاً بثقة مجلس النواب، كما هو الحال في تشكيلها.