عندما تضيع حقوق المواطن

جاء في الأنباء أمس انه لم يسجل امام الادعاء العام والقضاء اي شكوى او قضية حقوقية، من قبل متضررين من السيول المطرية الاخيرة، التي ضربت العاصمة وغيرها، سواء بحق جهات بلدية ورسمية او بحق اشخاص او اصحاب او مقاولي عمارات واسكانات، وذلك بالرغم من حجم الاضرار البشرية والمادية التي لحقت بمئات العائلات والمنازل والسيارات، بما فيها وفاة اربعة اشخاص.اضافة اعلان
قبل ذلك، وربما بعد ذلك، هناك الكثير من الحوادث والإصابات والأضرار التي تلحق بمواطنين أو باملاكهم، جراء عيوب في بنى تحتية او ترك حفر صيانة او خدمات في الشوارع العامة من دون تحذيرات أو احتياطات مناسبة، ناهيك عن الاضرار والخسائر التي تنتج في بعض الاحيان عن اخطاء طبية او نقص في الخدمات الصحية في هذا المستشفى او ذاك، او التعرض لانتهاكات حقوقية، وغيرها من اسباب، قد تكون ناتجة عن تقصير او اهمال تترتب عليهما مساءلة جزائية أو حقوقية أو كلتاهما لهذه الجهة أو تلك. الا ان المتابع نادرا ما يسمع عن تسجيل دعاوى امام القضاء، ضد الجهات التي يمكن ان تتحمل المسؤولية، على غرار ما نراه في اميركا واوروبا.
لسنا في وارد تحميل المسؤولية لجهة أو لأحد في الحوادث التي ادت الى وفيات او اضرار صحية ومادية في شتوة الخميس الماضي العاصفة، لكن المتابع يمكن أن يلحظ أن بعض تلك الحوادث، يمكن أن يكون لها علاقة بتقصير في الاحتياطات من قبل امانة عمان او الجهات البلدية، او من قبل مقاولين او اصحاب بعض الاسكانات، ما يمكن معه ان يترتب على هذه الجهات من مسؤوليات جزائية او حقوقية، او كلتيهما.
زبدة القول ان ثمة غيابا للثقافة الحقوقية لدى المواطن الاردني، وربما العربي، لاسباب عديدة يمكن التوسع في تعدادها ونقاشها، لكنه غياب ينعكس بضياع حقوق لهذا المواطن من جهة، وايضا ينعكس بإفلات المخطئين والمقصرين وملحقي الضرر بمتلقي الخدمات، من العقاب، بالتوازي مع غياب مفعول الردع والوقاية المستقبلية، حيث يترسخ في فكر المسؤول او مقدم الخدمة عدم المحاسبة او الملاحقة القضائية له إن قصّر او أخطأ.
قد تكون تجارب الناس مع طول الاجراءات القضائية، التي تستمر احيانا لسنوات طويلة، هي السبب الرئيسي لغياب الثقافة الحقوقية والقانونية، لمتابعة مثل هذه القضايا. كما ان تجارب الناس مع قصة الاخطاء الطبية ومجالس التحقيق النقابية، او شهود الخبرة التي يلجأ اليها القضاء احيانا في هذه القضايا، تكرس غياب هذه الثقافة لدى المواطن. ناهيك عن قناعة شبه عامة لدى المواطنين، قد تكون صحيحة ودقيقة او قد لا تكون، بعدم وجود فرصة لادانة مسؤول ما، او شرطي متهم بتعذيب مواطن، او جهة بلدية تسبب تقصيرها بإلحاق ضرر بمواطن او ممتلكاته. 
وبما ان الشيء بالشيء يذكر؛ فان غياب الثقافة القانونية والحقوقية لدى المواطن الاردني، توازيها ظاهرة مكابرة ومعاندة المسؤول، وعدم اعترافه بأي مسؤولية عن تقصير او خطأ او اهمال، فيما المبررات والمسوغات دائما جاهزة لدى المسؤولين، على اختلاف انواعهم ومواقعهم، للتهرب من المسؤولية.
قد تبدو مطالبة المسؤول الاردني، اي مسؤول، بالاستقالة بمبادرة شخصية منه، بعد وقوع كارثة، ككارثة انفجار مفرقعات الجمرك، او غيرها، امرا حالما وطوباويا حتى الان، لذلك فان الحل المتاح، هو تمني ترسيخ تقاليد حكومية اردنية، بإقالة اي مسؤول، تقع في مؤسسته او نطاق عمله، كارثة، أو تقصير يتسبب باضرار مادية أو جسدية لمواطنين. فيما نحن، كمواطنين، مدعوون اليوم قبل الغد، الى ترسيخ ثقافة اللجوء الى القضاء لمقاضاة المؤسسات او المسؤولين او الشركات، التي تلحق ضررا ما بالمواطن.