قلعة السلفيّة تهتزّ

مما لا شكَّ فيه أن الإسلام السياسيّ في الإقليم، ولربما في العالم، يشهد أسوأ أيامه حتى الآن. فبعد البدء في معالجة وجه السحّارة من الدعاة المتشددين في السعودية، والبدء في "تنظيف" البيت الحاكم، سيبدو أن المملكة السعودية مقبلةٌ على عهدٍ جذريِّ الاختلاف، يحاول أن يكون خالياً من رموز التكفير والتثقيف الوهابيّ. وهما خطوتان لم تشهد المملكة الجارةُ، غنيٌّ عن القول، مثيلاً لهما في تاريخها الحديث بعد انتهاء مرحلة التأسيس. فشهرُ العسل الطويل الذي نعمت به مؤسّسةُ السلفيّة الوهابيّة التي فرّخت لنا حركةَ الإخوان المسلمين، منذ كان مؤسسها حسن البنا زائراً دائماً للحرمين المكي والمدني والتتلمذ على شيوخهما، قد انتهى فجأةً، وليس ذلك فحسب، بل إن القلعة السلفية قد وقع عاليها سافلَها على رؤوس من فيها، ممن كانوا يصولون ويجولون، لا في المملكة فحسب، بل في مشارق الأرض ومغاربها بما فيها بلدي الأردن. وهو أمرٌ على الأردن أن يدركَ أبعاده جيداً.اضافة اعلان
ومن ذلك مثلاً أن نعلنَ حالةَ طوارئ ثقافيّةٍ، نمارسُ فيها مراجعةً جذريّةً لوضعِ الإسلام السياسي لدينا، وتغلغلِه في بنية النسيج الاجتماعيِّ، وبلوغِه عميقاً في الأريافِ، وتحطيمِ الهويّة الثقافيّة في الشارع والبيت الأردنيّين، وتعزيل الفولكلور الجماليّ، والاستعاضة عنه ببدائل أخرى معظّمةً معالمَ التعذيب والعنفِ الأخرويّ... إلى غير ذلك من ترويعٍ للنفسِ البشريّة ابتداءً من طفولتها وحتى شيخوختها. وكل ذلك باسم فرقةٍ ناجيةٍ واحدةٍ إحدى (مؤنث أحد)، يمتلكها هذا الفريقُ أو ذاك من ملتاثي التعصّب. فلقد آن الأوان حقّاً لتحقيق الانسجام بين الأفكار الشخصيّة لرأس النظام وأفراد الحكومة، وجميعهم/ن علمانيون مدنيّون، لا يؤمنون بطبيعةِ الحال بدولة خلافةٍ إسلامية، ولا بحكمٍ دينيّ. وكذلك الشأنُ بمعظم الشعب رغم تديّنه. كما آن الأوان فعلاً أن يُفكَّ الارتباط بين الدولة الأردنية وأجهزتها المختلفة وبين الإسلام السياسيّ كمكوّن ثقافي وسياسيّ صحراويٍّ لم ينشر غير محوِ الآخر وإنكار التنوّع، والذي حدثَ كثيرٌ منه حتى لا تزعل منا جارتنا الكبيرة، بينما جارتنا الكبيرةُ الآن تفتك برموز التعصّب والتشدّد لديها، ولا تهاب تجميد خطابهم وحضورهم ومنعهم من السفر والظهور الإعلاميّ.
إنها اللحظة السياسيّة المؤاتية والتي لن تتكرّر إذا ما أفلتناها،
وعلى ذلك نعقدُ الأمل!