كفى انتهاكا لحقوق المسيحيات في الميراث (2/2)؟

تتساءل نساء مسيحيات عن سبب إصرار رؤساء كنائسهن على عدم الاتفاق على إصدار قانون خاص بالإرث بما يضمن المساواة الجندرية في توزيع الميراث. فتغييب ذلك يشكّل مخالفة واضحة للشرع المسيحي ولتعاليم المسيح عليه السلام ويؤجج المشاكل اليومية بين الأسر المسيحية ولا يحقّق العدالة في دولة القانون والمؤسسات التي يفترض أننا نعيش فيها.اضافة اعلان
الطوائف المسيحية الإحدى عشرة المعترف بها رسميا في المملكة تعطي الرجل مثل حظ الأنثيين، على غرار أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث.
لا بد من وقف تلك الممارسات وثمة فرص يمكن استغلالها.
فالتعديلات الدستورية الأخيرة فتحت كوّة أمل نحو إمكانية تطبيق قوانين خاصة في المحاكم الكنسية. فإخضاع المواطن المسيحي لأحكام دين غير دينه يخالف أبسط مبادىء حقوق الإنسان.
سن قانون مستقل وموحد حق لكل أسرة مسيحية.
وهناك سوابق في دول الجوار مثل لبنان وسورية يمكن الاحتذاء بها لتحقيق العدالة من خلال المساواة في الحقوق والواجبات وكسر احتكار رجال الدين المسيحي. وهم يسهمون في عرقلة سن مثل هذا القانون لأن الحكومة، تشترط الموافقة المسبقة لجميع الطوائف المسيحية على نص القانون قبل تمريره بالطرق التشريعية.
لكن ذلك يتطلب بناء اللحمة المفقودة بين رؤساء الطوائف؛ بخاصة الروم الأرثوذكس التي يشكّل أتباعها 60 % من مسيحيي الأردن، وبعدها الروم الكاثوليك واللاتين، الأرمن، الطائفة الإنجيلية الأسقفية العربية، المارونية، الإنجيلية اللوثرية العربية، السريان الأرثوذكس، الأدفنتست السبتيين الإنجيلية، العنصرة الدولية المتحدة والأقباط الأرثوذكس.
الآن، ترتفع أصوات أعداد متزايدة من أبناء وبنات الطوائف المسيحية وبخاصة من ذوي التوجهات الإصلاحية التي تتناسب والقرن الحادي والعشرين تطالب بالمساواة في الإرث. يساندهم رجال دين متنورون ونواب باتوا يتحدثون في مجالسهم عن ضرورة تحقيق هذه المساواة وفق تعاليم المسيح في العهد الجديد. فالإنجيل يستكمل تعاليم العهد القديم، بما فيها المساواة بين الجندرين، التي وردت في (سفر التكوين) لدى خلق السموات وما فيها، والأرض والماء والكائنات الحية المائية والبشرية قبل خلق آدم وحواء. يتساءل هؤلاء النشطاء لماذا لا يوجد لديهم قانون إرث خاص بهم؟ هل وضعهم القانوني منقوص؟ هل رؤساء الطوائف هم المسؤولون عن استمرار هذا الوضع أم أن الأعراف والتقاليد المحافظة تقف وراء ذلك؟ هل هناك مراكز نفوذ لا ترغب في التغيير؟ وهل يُعقل أن لا تتحرك النساء ضد هذا الظلم؟ ولماذا لا تطبق علينا الشريعة المسيحية قولًا وفعلًا، كما ورد في العهدين القديم والجديد؟ فإلى متى ستبقى العقلية الذكورية لدى بعض المتنفذين في الطوائف ووجهاء المجتمع المسيحي تعوق صدور قانون موحد بالإرث للمسيحيين.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدرك أيضا حجم الإجحاف بحقوق أبناء وبنات هذه الطوائف من خلال الشكاوى المتنامية التي تصلهم، بينما يستمر تشبث رؤساء طوائف بقوانين بالية، وتخلط بين الدين والسياسة والعادات والتقاليد. فكم فتاة أو سيدة ضاع حقّها في ميراث والدها فقط لأن القانون الحالي لا يسمح بكتابة وصية بثلث التركة  للوارث  قبل الوفاة؟ ولا يقبل بصرفها إلا إذا وافق جميع الورثة على تنفيذها! لا بد من قانون إرث واعتماد وصايا الميراث.
كان لبنان الدولة السبّاقة في المنطقة. إذ يشمل قانون 1959 الخاص باستحقاق الإرث جميع أبناء المتوفى الشرعيين وفروعهم دون تفرقة بين الذكور والإناث، وبين الأبناء المولودين من زيجات مختلفة، والمنتمين إلى أصل واحد. إذ ينص القانون على تقسيم التركة بينهم بالتساوي بعد أن يحسم منها نفقات تجهيز الميت ودفنه.
وفي العام 2011، نجحت الطوائف السورية في إقناع الحكومة بضرورة سن قانون خاص بالطوائف المسيحية الشرقية، يسمح بمساواة الرجل والمرأة في قضايا الإرث، وتطبيق مبدأ الوصية مع تعديل بسيط يتصل بـ"مال تركة من لا وارث له" من المسيحيين إلى الخزينة العامة.
هنا لم يحدث شيء على وقع استمرار الخلافات بين رؤساء الطوائف غير المتفقين حتى على تلاوة الصلاة الرئيسة. وكذلك خشية الدولة من التحرك دون إجماع رؤساء الطوائف، لكي لا تظهر بأنها تتدخل في شؤون طوائفهم مع ما قد يتحول إلى قضية حساسة للرأي العام.
للبنات حق المطالبة بميراثهن وبخاصة إذا لم يكن لهن أخوة ذكور. فمن الضروري إخراج عصب الذكور من هذه المعادلة. وهناك مئات القصص عن عائلات مؤلفة من بنات فقدن أباءهن لتذهب تركتهن "على البارد المستريح "، لأشقاء المتوفى من الذكور أو لأولاد عمومته في حال لم يكن له أشقاء. وهلم جرّ.
في ندوة ثقافية استضافتها المدرسة الوطنية الأرثوذكسية قبل أيام بعنوان "الإرث في الكنيسة"، طالب أحد المحاضرين المحامي الأستاذ يعقوب الفار، بضرورة إصدار قانون خاص بالمسيحيين لوضع حد للمشاكل اليومية التي تنشأ بين أبناء الطوائف المسيحية حول مسألة تحديد "الأنصبة الشرعية لكل وارث ونسبته من أموال التركة، خصوصا لدى العائلات التي لم ترزق بأولاد وكان الورثة من الإناث فقط".
وتحدّث أيضا الأب سمعان خوري من الكنيسة الأرثوذكسية والشمّاس عماد حجازين من الكنيسة اللاتينية حول ضرورة المساواة في الإرث. وخاطب حجازين المشاركين: "عودوا إلى أصولكم... الى الكتاب المقدس وأعطوا الحق (الميراث) لإصحابة واسقطوا العصب يللي عامل مشاكل للناس...".
على الحكماء داخل هذه الطوائف وضع مسودة قانون للإرث المسيحي وإقناع رؤساء الطوائف بتبنيه لكي تنزع الحكومة نحو تمريره ولننتهي من خضوع المسيحيين لتركة الدولة العثمانية الثقيلة عليهم. مثل هذا القانون يتطلب تعديل المادة 1068 من القانون المدني المتعلق بالإرث، كما يشرح الأستاذ الفار. ذلك أن حكم هذه المادة يقضي بأن أحكام الشريعة الإسلامية  في الميراث تطبق على جميع الأردنيين؛ مسلمين ومسيحيين. ويجب أن يطال التعديل قواعد التشريع المدني ليصبح ذلك الحلم ممكنا.
على الحكماء التشبيك مع منظمات المجتمع المدني المتناسلة التي تنشط في مجال وقف التمييز على أساس العرق والجنس والدين.
في المرة الأولى، أسقط رؤساء الطوائف المسيحية حق تمتع أبناء طوائفهم وبناتها بقانون خاص للأحوال الشخصية العام 1938 عندما كان بإمكان كل طائفة تطبيق قوانينها على رعاياها وتأسيس محاكم كنسية تعنى بتطبيق الأحوال الشخصية في حالات الطلاق والزواج والتبني والأرث.
لن تقارب الحكمة هذا الملف لتنصف بنات الطوائف المسيحية من ظلم ذوي القربى إلا إذا اتفق البطاركة. لكن إذا لم نشرع بهكذا مطالبة علنية ونتحرك لحشد الجموع وراء هذه الإصلاحات الممكنة؛ فلن يتغير شيء، وستظل "حليمة على عادتها القديمة"!