كل فصح وأنتم بخير

مبارك فصحكم المجيد، وكل فصح وأنتم بخير. هنيئا عليكم الفداء، من يوم مولد المعلم في بيت لحم، والهروب به من بطش هيرودس رضيعا إلى مصر، وعودته إلى الناصرة، ومنها إلى القدس حيث شرع يهدي إلى النقاء في الإيمان، وينشر المحبة، ويدعو للصفح لكي ينير الدروب لكل المؤمنين.اضافة اعلان
هال يسوع المسيح ضلال قومه من نسل يعقوب، وفجع من افتراءات رؤساء كهنة اليهود، وقد جعلوا من دين آبائهم تجارة يتكسبون منها؛ ثم تزلفوا للحكام وجاروهم في سلطانهم على الناس، حتى أصبحت شريعة موسى على أيديهم قيدا ثقيلا يكبل حياة المؤمنين، ويجعل منهم عبيدا للكهنة ورؤسائهم. فنهض المسيح يصحح؛ يحاور الضالين من الكهنة وغير المؤمنين ويجادلهم، ويلقي بعظاته على الصالحين والمؤمنين.
بكل النور الذي يملأ قلبه، والرحمة التي تسكن روحه، تكلم إلى خصومه، وخاطبهم بواضح المعاني. صارحهم القول، وحاورهم بالحسنى، وجادلهم بلين، ودعاهم إلى ما فيه صلاح الدنيا وفلاح الدين. وهو المبشر والمطمئن: "لا تظنوا أني جئت لكي ألغي شريعة موسى، أو تعاليم الأنبياء، بل لأعطيها معناها الكامل".
في الصفح علّم المعلم: "إن لطمك أحد على خدك الأيمن فقدم له الخد الآخر أيضاً". وفي الصدق مع الله أوصى في الصلاة: "وعندما تصلي لا تكن كالمرائين لأنهم يحبون أن يصلوا في المجامع وزوايا الشوارع لكي يراهم الناس". وأوصى في الصيام كذلك: "وعندما تصومون لا تكونوا كالمرائين الذين يظهرون الحزن على وجوههم لكي يرى الناس بوضوح أنهم صائمون". والصدق مع الله في الصدقة، مثله في الصلاة والصوم: "عندما تعطي المحتاج، لا تدع يدك اليسرى تعلم ما تعمله يدك اليمنى".
في التريث والأناءة في الحكم على الآخرين، والنظر إليهم بما ننظر به إلى أنفسنا، قال لنا: "فلماذا ترى القشة في عين أخيك، ولا ترى الخشبة الكبيرة في عينك أنت؟ فبالكيفية التي تحب أن يعاملك بها الآخرون، عليك أن تعاملهم". وعندما طلبوا رأيه لرجم من اعتقدوا أنها قد زنت، أجاب: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر". وفي محبة العدل والعدل في المحبة أهدى "لأن الله يجعل الشمس تشرق على الخطاة والصالحين، ويرسل المطر إلى الأبرار والأشرار. فإن أحببتم اخوانكم ومن يحبونكم فقط، فما الذي يميزكم عن الآخرين؟ أفلا يفعل عابدو الأوثان ذلك أيضاً؟".
يمضي صاحب الفصح في دربه غير ناظر لغير الخير الذي يريد له أن يظلل الحياة. لم يكترث لإرادة الشر من خلفه، تترصد خطاه، وتتحين الفرصة لإسكات صوته، واختطاف النور الذي جاء به. وخاطب أصحابها: "ألم يعلمكم موسى الشريعة؟ لا أحد منكم يطبق تلك الشريعة. لماذا تسعون إلى قتلي؟". وأكد على جهلهم وعجزهم: "ستبحثون عني ولكنكم لن تجدوني. لأنكم لا تقدرون أن تذهبوا إلى حيث سأكون".
جوهر الرسالات، وديدن المخلصين والمصلحين، هو إرساء منارات الهدى للمؤمنين، لكي يهتدوا ولا يضلوا الطريق؛ ولكي تكون رسالات السماء ورسلها مصدر إلهام لهم، ومرجعيات موحدة وجامعة، حيثما التقوا تحت سقف وطن واحد، أو انتشروا في الأوطان على أرض الله الواسعة. ذلك يحفظ كرامة الإنسان، ويصون حريته، ويصلح حاله، ويديم بين بني الإنسان المحبة والاحترام. بذلك تنمو عمارة الأرض، ويتيسر إدراك صلاح البلاد والعباد، وإنفاذ مشيئة الله في غلبة الخير على الشر، ولكي يعم السلام على الأرض، وتدوم المحبة.