ليس للرئيس من يكاتبه

بعد انفجار درعا في وجه القمع، ثبت فشل اقتران الاستبداد بالتنمية، فجاء رد حوران قاسيا على مقولة "تنمية من غير ديمقراطية" في نسخها الأصم للمثال الصيني.
في مقولة أن الشعب السوري لم يصدر إشارات رفض لمحاولة النظام اقتفاء الأنموذج الصيني، فات عقل النظام ما كتبه تروتسكي، من أن "الشعوب لا تتوق إلى القيام بثورة تماماً كما لا تتوق إلى الحروب، ولكن هناك هذا الفرق وهو أنّ "الإكراه" يلعب دوراً مصيرياً لنشوء الحرب، بينما وحدها "الظروف" تكون قسرية في اندلاع ثورة. تندلع الثورة فقط في غياب أي مخرج آخر".
في سورية اليوم لا سلطة إلا للقتلة، بعدما أسقط الرئيس كل الرهانات على إرادته في صنع التغيير الحقيقي.
فالحموي والدمشقي والحلبي والديري والساحلي والحمصي والحوراني، دفعوا الثمن باهظا من العائلة والطغمة التي لا تساوم على أسلوبها في القتل والذبح والسحل.
أدعو إلى مكاتبة الرئيس بشار الأسد، علّه يمعن التفكير بقادم الصيف اللاهب.
أدعو الرئيس إلى مغادرة القراءة الأمنية، التي تحاكي دواخله بصفته ديكتاتورا لا تروق له الاستشارات الواقعية.
أدعوه إلى التنحي والمغادرة، وأن يعلن أنه مذنب. أدعوه أن يتقدم بآخر خطبه للناس الذين يتوقع واهما أنهم ينتظرون طلته، ليقول لهم: سامحوني فقد ورثت نظاما دمويا ذبحكم وأحال البلاد إلى جهنم وأبناءكم إلى سعاة يائسين وراء قوت يومهم.
أبلغهم يا "فخامة" الرئيس أنك استعدت بعضا من بقايا ضمير، لتنشد الرحيل.
أدعو الرئيس قبل أن تحين ساعة الحقيقة لتفسير معنى رفض القيادي الحزبي لإلغاء المادة الثامنة من الدستور! ألا يعني هذا ازدراء للشعب وإرادته، في عالم غادر مقولة الحزب القائد ومفاهيم الاتحاد السوفيتي الذي يبدو أن مفاهيمه منغرزة في الذهنية السورية الرسمية؟
أسأل الرئيس عما إذا كانت القراءة الرسمية تتحسس حقيقة أن النظام يفقد من رصيده "الشعبي" الكثير، تحت وقع الزلزال الذي يدفع فئات شعبية، خصوصا في الشام وحلب، للإقلاع عن مواقف المراوحة والتردد لتنضم إلى الاحتجاجات.
ليسأل الرئيس نفسه عن حيوية نظام فقد كل قدرة على المبادرة واستشعار الخطر المحدق به، حتى لم يجد في جعبته سوى القمع ومزيد من الموت.
مع تدحرج حركة الاحتجاج وانتشارها كالنار في الهشيم، أثبت سلوك النظام أنه لا يملك  بوصلة توجه مواقفه حتى في تراجعه الشكلي، فبات مرتبكا حتى في حشد أنصاره أو أبواقه خارج البلاد، إذ يبدو هؤلاء كمن يحارب باسم قفاز "الممانعة" ضد شعب منتفض، هم يعرفون مسبقا أنه لو تسنّى له الانتخاب لاختار نظاما مقاوما مسنودا بشعب حر.
كان مفاجئا أن لا يمتلك النظام ومراكز دراساته وأحزابه أي مبادرة حقيقية تستند لقراءة الواقع والمستجد بعد ثورات الربيع العربي، الأمر الذي يؤكده رفضه الاعتراف بالشارع الذي يصر على دفع فاتورة دم باهظة، ثمنا لحريته من أجهزة لا ترحم.
عادة تمتلك الأنظمة، والقمعية منها تحديدا، مجسات حساسة لحركة الشارع، تقدم قراءتها الموضوعية للمستجدات والأحداث وتترك الأمر لصاحب القرار، وهو ما تثبت الأيام أن النظام في دمشق يفتقده، ما يفسر هذا السلوك الازدرائي تجاه الناس الذين اكتشفوا أن نظام الخوف هش وخائف حد إقدامه على قتل طفل بعد تعذيبه بتبريح.
لن يعود السوريون إلى بيوتهم بعدما وصلوا نقطة اللاعودة والقطيعة النهائية مع نظام لم يشعروا يوما أن فيه لمسة من إنسانية.
إن هدير الهاتفين لحرية سورية أجدى لفلسطين والجولان من ألف ممانعة يشهرها نظام ستذكره أجيال السوريين بصفته الأكثر بشاعة ودموية ورعبا.

اضافة اعلان

[email protected]