مستقبل عَمّان

 

خلال العقود الثلاثة الماضية، انتقلت عمّان من طور المدينة الصّغيرة إلى طور المدينة الكبيرة، أو الكبرى، بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى. تبدّلات كثيرة طرأت على المدينة حتى غدت بكلّ هذا الاتّساع والتّنوّع. في هذه الأثناء قامت أمانة عمّان (وهذه نقطة تُسجَّل في رصيدها) بجهود حثيثة على طريق تطوير المدينة، والاهتمام بنظافتها، ولكن وعلى الرغم من كل تلك الجهود فقد طفت على السّطح مجموعة من المشاكل التي لا يُستهان بها، والتي أصبحت بحاجة إلى علاج.

اضافة اعلان

لا يُمكن غضّ الطّرف عن الاختناقات المرورية التي تُعاني منها الشّوارع، والتي باتت كالكابوس الذي يقض مضجع السّائقين، فبعض المسافات القصيرة أصبحت تستغرق من نصف ساعة إلى ساعة لقطعها! هناك أيضاً عدد من الأحياء المهملة، خاصّةً التي تمّ إنشاؤها بشكل عشوائي، وهي تفتقر إلى الحدود الدّنيا من الخدمات. غياب الحدائق والمتنزّهات وأماكن التّرفيه هي أيضاً مشكلة يعاني منها الكثير من الأحياء، ممّا يدفع بأولادها إلى احتلال الشّوارع للعب كرة القدم وغيرها من الألعاب الخطرة. التّشوّهات البصريّة على المستوى العمراني، وعدم وجود إيقاع جمالي واحد يضبط روح المدينة هو مشكلة أخرى بحاجة إلى حلّ.

كان يمكن ألا تكون هذه المشاكل موجودة في مدينة عمّان لو جرى هناك تخطيط مدروس وعميق منذ البداية، خاصّةً وأنّ ثلثيّ عمّان قد جرى إنشاؤه خلال الأعوام الثلاثين الماضية! لكنّ الذي حدث أن التّخطيط كان آنيّاً ويغطّي فترة قصيرة لا تزيد عن عشر سنوات قادمة! إنّها أخطاء حدثت، والمصيبة أنّها ما زالت تحدث حتى هذه اللحظة! ما زلت أتذكّر إنشاء شارع الجاردنز في أوائل السّبعينيّات حيث كانت الفرصة متاحة لعمل شارع عريض يستوعب التّغيّرات المستقبلية، حي الصويفية كان يمكن أن يكون على هيئة أخرى. الآن لدينا شارع الأردن الذي افتتح قبل سنوات قليلة، لماذا هو بهذا الضّيق؟ إنني أرى أنه لن يصمد أكثر من عشر سنوات على أبعد تقدير حتى نجده قد تحوّل إلى شارع مكتظ بالسيارات والإشارات الضوئية، ويصبح بالتالي مثله مثل شارع الجامعة!

لنعترف أنّ الخطأ ما زال ساري المفعول حتى الآن، فالمدينة تكبر وتتوسّع في ظلّ غياب تخطيط حقيقي وعصري يواكب تطوّرها المدينة. إنّ الخطأ المرتكب في إنشاء الشّارع أو الحي أشبه بالخطأ الطبي! فكلاهما يخلق عاهةً مستمرّةً، والتّرقيع ليس حلاً، إنّه يبدّد الجهد والمال حسب.

قد تكون هناك أسباب طارئة حدثت لم تكن بالحسبان، كالهجرات التي تمّت إلى عمّان تباعاً عام 48، وعام 67، وعام 90 ثمّ عام 2003، ولكنّ ذلك كلّه ما كان له أن يترك أثراً في وجود تخطيط استراتيجي يستوعب المتغيّرات.

في العالم ثمّة مدن عملاقة جرى إنشاؤها قبل مئات السّنوات مثل موسكو وباريس ونيويورك وغيرها، وما زالت دون مشاكل تُذكَر. لقد تمّ التخطيط لها جيّداً من جميع النّواحي من قبل خبراء ومعماريين، وفي هذا الصّدد نتذكّر الخبير الفرنسي جورج أوجين هوسمان الذي كان له الفضل في وضع مخطط معماري شامل لمدينة باريس في أواسط القرن التاسع عشر لتكون بكل هذه الفتنة والشوارع العريضة والساحات الواسعة.

إذا كان لا بدّ من الإمساك بمقاليد الأمور على مستوى تطوّر عمّان ومستقبل عمّان، فلا بدّ من اللجوء إلى تلك العقول الإستراتيجية المخطّطة التي تعتمد في رؤيتها على الدراسات والإحصائيات، وتعمل جنباً إلى جنب مع أخصّائيّين وخبراء في مختلف الحقول مثل المهندسين والمعماريين ورجال الاقتصاد والبيئة والتعليم والسياسة والحقوق، فكل هؤلاء معنيّون بمستقبل المدينة.

[email protected]