مشكلة التشوه البصري

قد يبدو الحديث عن قضية التشوه البصري التي تعاني منها العاصمة عمان والمدن الأخرى محض ترف فكري، ولكن تلك القضية تتمتع بأهمية خاصة، وذلك لما لها من تأثير مباشر في تشكيل الحالة السيكولوجية، والمزاج النفسي العام للأفراد والجماعات على حد سواء، فالشخص الذي يخرج من بيته صباحا قاصدا عمله، تصدم عينيه تلك المشاهد المعتكرة في الطريق، مما يوقعه في جو من التوتر، وهذا بالتالي يؤثر تأثيراً مباشراً على نشاطه من جهة، وعلى علاقته بالآخرين.

لنعترف أن الكثير من أحياء مدننا قد تم إنشاؤه بشكل مرتَجل وسريع، بحيث لم يحظ بتخطيط عصري يراعي جماليات المكان ويبرزها كأثر فني، فقد لعبت الحاجة الدور الأكبر في ظهور الأحياء القديمة على هذا النحو. كان من المتوقع ألا نسقط في الخطأ مرة أخرى، وذلك منذ بداية الثمانينيات حتى الآن، حيث تم إنشاء الأحياء الجديدة، إلا أن الأخطاء استمرت وإن كانت بمستوى أقل.

إن اكتظاظ المكان بالأبنية، وضيق الشوارع، وغياب الحدائق والساحات العامة هي من الأمور التي تخلق التشوه البصري. كثيراً ما يتم وصف عمان بأنها غابة حجرية، ومثل هذا الوصف ليس في صالح المدينة. إن الذين يخططون المدينة ما يزالوا حتى هذه اللحظة أسرى الروح القديمة ولم يقتربوا من رؤاهم من واقع المدينة المعاصرة، وبدل أن يطوروا من أدائهم فقد لجأوا إلى الاستعراض.

إن السماح ببناء الأبراج هو جزء من هذه العملية الاستعراضية، وإلا ما معنى أن يتم إنشاء تلك الأبراج العملاقة في أحياء سكنية ذات أبنية صغيرة بشكل عام؟ أليس من الأفضل البحث عن مكان ما خارج المدينة، من أجل إقامة حي خاص من الأبراج؟ كلما مررت بجانب برج كلما حزنت لمنظر السماء التي باتت مثقوبة بهذه الإبرة الطويلة، كما أنني كثيراً ما أفكر بأمر البيوت الضئيلة المجاورة التي باتت عرضة للافتراس من قبل هذه الأبراج.

الأمر الآخر الذي يدعو إلى القلق، ويسبب مزيدا من التشوه البصري، هو تلك الأعداد الضخمة من الدعايات والإعلانات التي تغطي واجهات الأبنية والمحلات المطلة على الشوارع، والتي لا يجمعها ناظم محدد، سواء على مستوى العبارات التي تتضمنها، أو على مستوى الألوان التي تتخذها. من غير المعقول أن تبدو عاصمة دولة وكأنها ملك لهذه الشركة أو تلك، وذلك من خلال إعلاناتها المنتشرة في كل مكان! من غير المعقول أن يظن الزائر لمدينة عمان نفسه أنه لا يتجول في مدينة بقدر ما يغوص في زجاجة هائلة مليئة بالمشروب الغازي!

الدعايات يمكن أن تخصص لها أمكنة محددة، فلا تتجاوزها، وهذه مسألة في غاية البساطة، فلماذا لا تقوم أمانة عمان بتنظيم الدعايات، ووضع حد لكل هذه الفوضى البصرية التي تتسبب بها؟

اضافة اعلان

إن عملية الحد من التشوهات البصرية، وتجميل المدينة يكون من خلال مشاركة طاقم كبير من الفنانين التشكيليين والنحاتين والمعماريين والشعراء والكتاب في مشاريع تخطيط المدينة، وذلك من خلال وضع الجداريّات والمنحوتات في الساحات والحدائق، بالإضافة إلى المزاوجة بين البناء الحجري والتشجير. إن الطبيعة الجبلية لعمّان هي بمثابة امتياز خاص، لا تتوفر عليه سوى بعض المدن القليلة في العالم، مثل القدس وأثينا، ومثل هذه الطبيعة الجبلية لو جرى استغلالها كان يمكن أن تشكّل عنصر إثراء وجمال في بناء وتصميم المدينة.