هل يسعى النظام العربي لمحاصرة الثورات العربية؟

ليس غريبا أن يراوغ الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ويضع العراقيل لعدم توقيع الاتفاق الذي اقترحته دول مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الثورة اليمنية وتأمين انتقال سلمي للسلطة في اليمن. اضافة اعلان
فالاتفاق الخليجي المقترح، والذي سايرت فيه الدول الخليجية الرئيس علي صالح، ليس هو الاتفاق الأول الذي يتراجع عنه الرئيس بعد الترحيب به. إذ قبل المبادرة الخليجية كان السفير الأميركي في صنعاء قد جمع الرئيس والمعارضة في منزله، وتوصلوا إلى اتفاق يسلم بموجبه الرئيس الحكم لنائبه عبد ربه هادي منصور، ولكن الرئيس تراجع عن الاتفاق ووضع نائبه الذي يفترض أن يتنازل له قيد الإقامة الجبرية.
الرئيس اليمني بعد أن وافق على الاتفاق الخليجي المقترح عاد ورفض التوقيع عليه كرئيس للجمهورية، وطالب أولا أن يوقع عليه حزبه الحاكم "المؤتمر الشعبي"، ثم أن يوقع عليه كرئيس للحزب. ولكي يضع عراقيل أخرى أمام الوساطة الخليجية، شن هجوما على قطر متهما الدوحة بالعمل على الإطاحة به، ولكي يوقع بين قطر والسعودية تحدث الرئيس صالح عن مساعي قطر لتلعب دورالدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة على حساب السعودية، وذلك في محاولة (ليست ذكية هذه المرة) لإبعاد قطر عن  التفاهم الخليجي للتدخل في اليمن، ولإيقاع خلاف بين دول الخليج يعرقل الخطة المقترحة.
ويستمر الرئيس بمراوغاته. فحين يعلم أن هناك عدم رضا عن موقفه الرافض للتوقيع، وأن وزراء خارجية دول الخليج الذي اجتمعوا في الرياض -للمرة الرابعة خلال شهر- قد يحملونه مسؤولية وصول مبادرتهم لطريق مسدودة، يبادر وفي توقيت مراوغ إلى الاتصال بالعاهل السعودي أولا، وبعد ذلك بالوزراء الخليجيين عند بدء اجتماعهم في قاعة اجتماعات مطار القاعدة الجوية بالعاصمة السعودية (وكان قد نقل له خبر بدء الوزراء لاجتماعهم عبر مراسل وكالة الأنباء اليمنية الرسمية الذي تواجد لنقل خبر بدء الاجتماع). وفي هذا الاتصال أكد الرئيس صالح لوزراء الخارجية أنه على استعداد للتوقيع على الاتفاق المقترح بشأن تنازله عن السلطة "بصفته رئيسا للجمهورية"، ولكنه طالب ببعض الإيضاحات بشأن بعض البنود الواردة في المقترحات الخليجية المتعلقة بسبل الانتقال السلمي للسلطة، والتي تتعلق بضمانات عدم محاكمته وملاحقته، وبمستقبله بعد تنازله عن الحكم.
وتجاوب الوزراء الخليجيون مرة أخرى مع الرئيس، وقرروا إرسال الأمين العام لمجلس التعاون إلى صنعاء مرة أخرى ليحمل للرئيس التوضيحات التي طلبها وأخذ توقيعه على الاتفاق.
وأعتقد أن الرئيس سيبقى يراوغ ويبتز ليحصل على أكبر قدر من التنازلات التي قد تفوت على معارضيه استلام الحكم في حالة تنازله. وإن لم يكن غريبا على الرئيس مراوغاته ومماطلاته، فالغريب هذه "المسايرة" الخليجية للرئيس التي يقابلها ضغط على قوى المعارضة السياسية اليمنية التي قدمت تنازلا رئيسا بالتغاضي عن محاكمة صالح الذي عاث وأعوانه فسادا في اليمن "غير السعيد" لأكثر من ثلاثين عاما.
فالمبادرة الخليجية جاءت لتنقذ الرئيس اليمني من نهاية مؤلمة شبيهة بنهاية رفيقيه الرئيسين السابقين بن علي ومبارك، أو مفجعه في حالة ما إذا قرر أن يستخدم القوة لقمع ثورة شعبه، بأن تنشب الحرب عليه وتتحول الثورة الشعبية إلى ثورة مسلحة.
والمبادرة الخليجية تضمن للرئيس عدم محاكمته أو ملاحقته وأعوانه إذا ما تنازل عن الحكم وغادر بالأموال الضخمة التي نهبها من شعب بلاده. والمبادرة الخليجية بتساهلها مع الرئيس اليمني تجعل التساؤل حول ما إذا كانت دول الخليج تريد أن تنتهي الثورة في اليمن كـ"نصف ثورة".
وهذا يجعلنا نتساءل: هل أخذ النظام العربي الرسمي يتحرك لمحاصرة الثورات العربية التي اندلعت بعد ثورتي تونس ومصر اللتين أطاحتا بنظامين عربيين استبدا بالمواطن العربي بعد أن سلبا حقوقه وأهدرا كرامته؟ هل يعمل النظام العربي الرسمي على إطفاء جذوة النار التي أشعلتها الثورتان بداخل كل مواطن عربي وجعلته يفكر بالمطالبة بحقوقه وكرامته التي استبيحت من النظام العربي الرسمي نفسه؟ هل هناك من يعمل على إجهاض حلم الربيع العربي الذي راود المواطن العربي بعد ثورتي تونس ومصر؟