هي وأزواجها الأربعة!

"ائذنوا لي أن أُزَفّ إلى أربعة، بل إلى خمسة أو تسعة إن أمكن. ائذنوا لي أن أختارهم كما يطيب لجموح خيالي الاختيار"، بهذه العبارات المنفلتة من أيّ ضوابط أو قوانين بدأت إحدى الكاتبات السعوديات (نادين البدير) مقالتها التي نشرتها في صحيفة (المصري اليوم) اليومية مؤخّراً، حيث تناقلها عدد من المواقع الإلكترونية العربية، والتي كانت بعنوان صريح وصادم: (أنا وأزواجي الأربعة)! بعد ذلك نراها تتابع قائلةً: "أختارهم مختلفي الأشكال والأحجام، أحدهم ذو لون أشقر وآخر ذو سمرة، بقامة طويلة أو ربما قصيرة، أختارهم متعدّدي الملل والديانات والأعراق والأوطان، وأعاهدكم أن يسود الوئام، لن تشتعل حرب أهلية ذكورية، فالموحّد امرأة".

اضافة اعلان

طبعاً لا تنسى الكاتبة أن تستعرض في مقالتها ما يمكن أن يُسمّى بتاريخ الخسران الذي طبع حالة المرأة العربية، بعد الانقلاب الذكوري الذي جرّدها من امتيازاتها كما تقول، وأدى إلى تحكّم الرّجل في جميع شؤونها. ومثل هذا الكلام هو بمنزلة لازمة يتمّ ترديدها باستمرار للتفجّع والبكاء على المصير الذي آلت إليه أوضاع المرأة الحاضرة. تتحدّث الكاتبة أيضاً عن الضجر الذي تعاني منه المرأة الشرقية في علاقتها مع زوجها -لاحظوا مثل هذا السبب الذي تعتبره الكاتبة وجيهاً على طريق وقوع القطيعة الشاملة بين الرجل والمرأة- وكأنّ قضايا الحياة والتّطوّر والديمقراطية والتّحرّر الوطني من الاحتلالات الأجنبية قد جرى حلّها جميعها، ولم يبق سوى الملل كمشكلة تؤرّق المجتمع!

أمّا لماذا كلّ هذا التّركيز على الضجر؟ الإجابة نعرفها من كلام الكاتبة حين تقول: "هل كل المتزوّجات في مجتمعاتنا الشّرقية مكتفيات جنسيّاً؟ بالطّبع لا، التّعدّد في اعتقاد كثيرين هو حل لمشكلة الملل والسّأم وتلبية لمشاعر الرّجل، لكن احتكار الرّجل للتعدّد دون النّساء تمييز وخرق لكل معاهدات سيداو". هنا تخلط الكاتبة الأوراق، وتدخلنا في معمعة اتفاقية سيداو التي ما يزال النقاش فيها محتدماً، وبخاصّةً من طرف (المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة التي تطرحها الاتفاقية بغض النّظر عن رأي الدين الإسلامي في عدد من القضايا كقضية الإرث)، الأمر الذي يجعلنا نسأل بقهر هل المطلوب منّا فقط هو التّخلّي عن منظومتنا التربوية ؟

مثل هذا الكلام الذي كتبته نادين البدير والذي يبدو رخواً وطائشاً، ربّما هجست به طائفة من النساء العربيّات، وهي تلك الفئة المتطرّفة في نزوعاتها التّحرّرية من سلطة الرجل، والتي تدعو جهاراً إلى إعلان العداوة معه! وهو بهذا الشكل يُعدّ مؤشّراً على إفلاس ما، تعاني منه دعوات تحرّر المرأة العربية. طبعاً أنا لا أتحدّث هنا عن مجمل القضايا المطلبية والحقوق المنقوصة التي تسعى المرأة لتحقيقها، ولكنّني أتحدّث عن فكرة التقليد الفجّ لكل ما هو غربي، والاحتفاء به كأنّه كلام منزّل من السّماء! في مقالتها تضرب الكاتبة مثالاً على العلاقة السّويّة بين الرجل والمرأة من خلال علاقة سارتر بسيمون دي بفوار، حيث تقول إنّهما ظلا على علاقة حب عاصفة مع بعضهما البعض حتى أواخر أيام حياتهما، والسّبب في ذلك تقول إنّهما لم يرتبطا طوال عمريهما بعقد زواج مكتوب، بل من خلال الصداقة!

طبعاً مثل هذه الصّورة المزركشة للغرب وتحديداً للمرأة الغربية كونها استطاعت أن تتمرّد وتخرق التّابو هي محض صورة ملفّقة، ولا علاقة كبيرة بينها وبين الصورة الواقعيّة للمرأة التي ما تزال مهانة هناك، صحيح أنّها قطعت شوطاً على طريق تحرّرها، ولكنّ الصحيح أيضاً أنها ما تزال رهينة شروط رأس المال وألاعيبه الماكرة.

[email protected]