وصفة ترضي الجميع (2-2)

اليوم، الأردنيون متهمون بأنهم شعب لا يسدد ضريبة، وهذا صحيح نظريا، لأن 95 % منهم لا يدفعون ضرائب دخل بالفعل، لكن لماذا يتناسى الجميع أن الأردني يسدد كثيرا من الضرائب والرسوم التي تستنزف دخله وترهقه ماليا، وإلا من أين تحصل الحكومة مبلغ 7.8 مليارات دينار تدرجها في الموازنة العامة تحت بند إيرادات محلية.اضافة اعلان
وصحيح أن قانون الضريبة بحاجة لتعديل لتوسيع قاعدة المشمولين بضريبة الدخل، لكن كان من الأفضل والأسلم حتى يكون الإصلاح كاملا شاملا، أن يراجع كامل النظام الضريبي، وعدم الاجتزاء الذي يخلق مزيدا من التشوهات والاختلالات.
عمليا، مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد أعلن للجميع ولم يعد سرا؛ حيث نشرت "الغد"، الأحد الماضي، كامل تفاصيله في نسختيها الورقية والإلكترونية. ردود الفعل الأولية ليست مريحة للضريبة، وأولها جاء على لسان رئيس مجلس النواب، باعتراضه على طريقة نشر القانون، واعتباره مضرا بمصالح محدودي الدخل.
التعليقات أيضا تحفظت على ضيق الشرائح الخمس التي أقرتها الحكومة على مداخيل الأفراد والأسر باعتبارها تضرب الطبقة الوسطى، وأيضا تبالغ في فرض الضرائب على ذوي المداخيل الثابتة المرتفعة، في وقت تقصر الحكومة في توفير خدمات أساسية لائقة لشرائح واسعة من المجتمع، ما ينفي مفهوم فرض ضريبة الدخل.
يحاجج المعترضون أنه قانون جباية واسع ولا يراعي حالة التباطؤ الاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد، ما سيعمق الحالة وبالتالي يضرب هدف تحقيق نمو مريح. كما لا يراعي تعقيد الحالة الاقتصادية التي تمر بها الأسر، إضافة إلى تشكيكهم بأن خطوات الإصلاح المالي التي تتخذها الحكومة لن تسهم حقا في وضع حد لاتساع حجم المشكلات المالية، وعلى رأسها زيادة الدين العام وضبط عجز الموازنة العامة.
مسؤول مهم يقول إن القانون، في حال إقراره، سيضمن أن يكون العجز صفرا في نهاية العام 2020، وبصراحة هذا كلام غير مضمون، وكل تاريخ الحكومات وإخفاقاتها في تحقيق وعودها كفيلان بإثبات ذلك؛ إذ من سيضمن أن حكومة جديدة ستأتي وتشكك بخطوات حكومة الملقي وتقلل من شأنها في حل المشكلات مع تكرار السمفونية ذاتها من أنها ورثت تركة ثقيلة، وعليها أن تحلها بقرارات جديدة قاسية، تماما كما قال كل رئيس حكومة سابق، وكما سيردد الرئيس اللاحق أيضا.
القانون يعدنا أيضا بمحاربة التهرب الضريبي، وهذا أمر في غاية الأهمية كونه يرتبط بتحسين التحصيل ومحاصرة التهرب الضريبي، وهو الجزء الأكثر نفعا لناحية حجم الأموال التي يمكن تحصيلها إن وفقت الحكومة بوضع آلية مناسبة لتحقيق الغاية؛ حيث تقدر الإيراد بحوالي 150 مليون دينار سنويا من أصل 250-300 مليون حجم تقدير الحكومة الحالية للتهرب الضريبي.
قيمة التهرب الضريبي تبدو متواضعة مقارنة بتقديرات رسمية سابقة خرجت علينا بها الحكومات في سنوات خلت، قدرت حجم التهرب بحوالي المليار أحيانا وبمبلغ 700 مليون أحيانا أخرى، وهذا التفاوت أيضا يحتاج إلى تفسير وتوضيح للرأي العام حتى لا يشكك به المواطن ويعتبر أن الحكومة الحالية تتقصد إخفاء جزء من التهرب الضريبي.
أيضا، من يضمن أن هذا الهدف سيتحقق والأرضية ليست جاهزة له بعد، وثمة معوقات تحول دون تحقيقه، وربما كان من واجب الحكومة أن تؤجل تطبيق زيادة الضرائب على القطاعات والأسر لحين إثبات حسن نواياها في موضوع التهرب الضريبي وتحقيق أهداف حقيقية في هذا الجانب بدلا من الاستمرار في بيع أوهام قد لا تتحقق.
تمرير القانون مسألة لم تعد قابلة للتأجيل، كما تقول الحكومة، فالدول المانحة مثل أميركا واليابان أيضا، تشترط تعديله على اعتبار أنه العيب الوحيد في السياسة المالية المطبقة! ما يستدعي وصفة ترضي جميع الأطراف؛ الأردنيين أولا، والصندوق والدول المانحة ثانيا.