2017.. القادم أصعب

نتجاوز أحداث 2016 بحسناتها القليلة وسيئاتها العديدة، صوب عام مفتوح على مصاعب أكثر خطورة، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وسياسيا، بالتزامن مع انهيار ما تبقّى من النظام العربي، ووأد حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، ورئيس في البيت الأبيض يرفع شعار "أميركا أولا"؛ يقابل ذلك ترسيخ هيمنة إيران في العراق، وروسيا وتركيا في سورية.اضافة اعلان
هذا العام كان حافلا بأحداث محلية، آخرها أحداث الكرك التي سبقتها سلسلة اعتداءات على مواقع أمنية، وسط تحدي التعامل مع دعشنة قطاعات واسعة في مجتمع محشور بين مطرقة البطالة وسندان الفقر وارتفاع الأسعار.
الأردن بعد هجمات الكرك ليس كما كان. فالحرب على الإرهاب ما تزال مفتوحة. وعلينا توقع محاولات أخرى للإرهابيين لتنفيذ ما يخططون له.
لكننا لن نستطيع مقارعة التحديات إن لم نحدث مراجعة شاملة ونقر بالسلبيات بيننا، بدل الإصرار على إقناع أنفسنا بأننا "أنموذج" لناحية الحريات السياسية، والأمن والاستقرار وسط منطقة ملتهبة. فالمقارنة النسبية لم تعد تنفع. وكل التحديات التي تواجهنا باتت أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل عقد أو عقدين.
ماذا سيكون موقفنا إذا أصر دونالد ترامب وفريقه اليميني على نقل السفاره الأميركية إلى القدس؟ وكيف سنتعامل مع الملف السوري بعد تحرير حلب عبر صفقة روسية-تركية وفي حال قرر نظام الأسد وحلفاؤه تحرير حمص وغوطة دمشق نزولا للحدود مع الأردن؟ كيف سيكون التعامل مع إدارة أميركية جديدة معادية لإيران التي باتت تدير العراق ولها وجود قوي في سورية؟
نعم، هذه جملة من المصاعب المقبلة قد لا يخفف من وطأتها علينا إلا دعم الأردن المستمر في الحرب على الإرهاب.
والمؤشرات الاقتصادية سلبية. وسيتعمق الانكماش مع التحضير لوجبة جديدة من رفع الضرائب، وبالتالي زيادة الأسعار، ما يمس صميم حياة الأردنيين. إذ تنشد الحكومة رفع الإيرادات الداخلية بواقع 450 مليون دينار لتغطية جزء من العجر الدائم. هذا الإجراء سيوسع الهوّة بين محدودي الدخل والأقلية الميسورة، ما يعزّز الطبقية. معدلات البطالة المعلنة قفزت من 13.1 % في العام 2015 إلى 15.1 % هذا العام. لكن الواقع يشي بضعف هذه النسبة. والأسوأ أن النسبة بين الشباب تتعدى 30 %؛ وهنا بيت القصيد.
مؤشر النمو، بحسب الناتج المحلي الإجمالي، بلغ 2.1 % في العام 2016 مقارنة مع توقعات 3 % في بداية العام. وتوقعات العام المقبل لن تكون أفضل بأي حال. دول الخليج قد تجدد أو لا تجدد المنحة السنوية بسبب أزمات موازناتها وتراكم التحديات الداخلية فيها. لذلك ستسير وفق شعار "نحن أولا". هذا يعني أن الاعتماد يظل على المانح الأميركي ومن ورائه الأوروبي، لكنْ لذلك حدود، في ظل مشاكلهما الاقتصادية والأمنية وتراجع الثقة الشعبية في المسؤولين هناك.
ميزانيات المؤسسات المستقلة تستنزف 1.7 مليار دينار سنويا، بعد أن تراجعت الحكومات عن وعودها بإعادة هيكلتها وتقليصها. هذه المعادلة تبقي سياسات التنفيعات الشخصية وهدر الموارد.
الحكومة ضعيفة تعجز عن حماية ولايتها العامة. وثمّة شعور بعدم وجود زعامات لملء الفراغ وإدارة الأزمات. وضع البرلمان ليس أفضل حالا.  الانتخابات التشريعية الأخيرة غيّرت شكل النواب من دون أن تمس المضمون. لا نتوقع الكثير من ممثلي الشعب.
في كتابها: "كيف تصبح وزيرا في الأردن؟"، تكشف الصديقة سائدة الكيلاني، صاحبة كتاب "واسطة: السر المعلن"، أن الوراثة المركبة (أبا عن جد) كانت وراء توزير واحد من كل ثلاثة أردنيين حملوا لقب معالي بين العامين 2006 و2016. والأسوأ من ذلك أن نصف الـ301 وزير في هذه الفترة انتزعوا الحقيبة الوزارية عن طريق "الواسطة والمعارف". بهذه المعادلة، يكون 106 وزراء قد امتطوا الجينات الوراثية للوصول إلى منصب كسب المنافع، كما استحوذ 150 منهم على هذا المنصب بطرق التفافية عبر الواسطة وتقاسم المصالح. وفقط 60 وزيرا من الذين حلفوا اليمين الدستورية، اكتسبوا مواقعهم عن جدارة، بحسب بيانات مؤلفة الكتاب.
ثقة الناس بالحكومة تتراجع. لا تسير الأمور غالبا إلا بالواسطة، وبإمكان أي موظف صغير وضع العصي في دواليب أي مشروع بما فيه تجديد العقد السنوي لعامل وافد. وكذلك فشلت السياسة الإعلامية في "إدارة امتصاص غضب الناس". ويقول وزير الداخلية الأسبق في مقالة نشرها أمس إن "العملية الأمنية نجحت في الكرك بالمعنى العملياتي عندما منعت وقوع كارثة كان يخطط لها الإرهابيون"، وأن "الحرب على الإرهاب لم تنته بعد، بل هي طويلة وتحتاج الى مراجعات على صعيد الاستراتيجيات تحديدا، ما تعلق بالتحول الذي طرأ على أسلوب الإرهابيين بتفضيل القتال حتى الموت على الاستسلام، وما تعلق منها بضرورة الانتقال مما هو عملياتي إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد".
حتى الآن، ليس هناك رد واضح حيال موقف الأردن من عودة "أبنائه" من الدواعش والنصرة، بعد تحرير الرقّة والموصل. هل نفكر بمشروع "قانون توبة" على غرار تونس مثلا، مع ما قد يحمله من مخاطر؟ هل نجحت برامج "المناصحة" الطوعية داخل سجوننا أم فشلت؟
تنظيم داعش سيهزم في العراق وسورية. لكن فكره العابر للحدود سيولد نسخا جديدة قد تكون أكثر دموية وإقصائية في غياب رؤية تحديث واضحة المعالم.
رغم محاولات تكميم وسائل الإعلام الرسمية والتقليدية بوسائل صريحة ومخفية وتناسل الرقابة الذاتية لدى رؤساء تحرير وصحفيين، فإن الآراء التي تعجّ بها وسائط التواصل الاجتماعي خرقت الخطوط الحمر، ولم يعد أحد خارج نطاق المحاسبة من مسؤولينا. ولن تستطيع الحكومة تطبيق قانون الجرائم الالكترونية على مئات آلاف المواطنين الذين يعبرون عما يجول في خواطرهم. فهذه الوسائط باتت المزود الرئيس لكل ما يحدث ومنبعا للتشويش في غياب رواية رسمية مقنعة. بات الناس يتدخلون في صميم الحياة الخاصة للمسؤولين بحق أو من دون وحق. الجهاز البيروقراطي في ترهل متواصل فيما تقضم رواتب منتسبيه جزءا مرعبا من الموازنة. تقارير ديوان المحاسبة تكشف تجاوزات داخلية مقلقة، لكنها توضع على الرف ويستمر الفساد الصغير والكبير بلا محاسبة. والقطاع الخاص محاصر بأوضاع المنطقة الملتهبة شمالا وشرقا وغربا مع انسداد الأفق جنوبا، وهو غير قادر على خلق وظائف جديدة أو ولوج أسواق جديدة للتصدير.
ولم ندخل في باب تحدي تغيير المنظومة التعليمية. فهذا الموضوع استهلك.
كل شريحة مجتمعية لديها شكاوى خاصة بها، لكنّ الجميع يشكون.
هل من حلول في الأفق المسدود؟ نعم. لكن الحل على المدى القصير يتطلب إرادة سياسية واضحة وحازمة لا تحتمل التأويل. وينقصنا فريق كفؤ متكامل في المؤسسات الحكومية، يسير ضمن استراتيجية واضحة المعالم، لا تتغير كلما خرج فرد من الأوركسترا العامة.
لنحصي الكم الهائل من الاستراتيجيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعيه والتعليمية التي وضعت خلال العقدين الماضيين ونسأل عن مآلاتها؟ على المدى البعيد، يحتاج الأردن لإعادة تثقيف المواطن للتفاعل مع العولمة وتحدياتها ومع متطلبات العيش في القرن الحادي والعشرين. وعلينا اتخاذ قرارات اقتصادية قاسية والتخلص من عقلية الدولة الريعية، مع إعادة تقييم مخرجات الجامعات ومدى مواءمتها مع احتياجات سوق العمل. لنحفّز أبناءنا على العمل –بدلا من العمالة الوافدة- من خلال رفع الحد الأدنى للأجور، وإلحاقهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحّي. لنحسّن معايير تدريس الشريعة الإسلامية ونعيد تأهيل الدعاة وأئمة المساجد لأنهم الأوسع تأثيرا على صون القيم المجتمعية وصوغ الرأي العام بعد المدارس والجامعات.
لننتظر ونرى تأثير إرهاب الكرك على عقلية المسؤولين وصنّاع القرار.