"الأتمتة".. تخفيف ضغط المحاكم أم تغيير بتقاليد التقاضي؟

مبنى قصر العدل في منطقة العبدلي في عمان-(تصوير: أمجد الطويل)
مبنى قصر العدل في منطقة العبدلي في عمان-(تصوير: أمجد الطويل)

سماح بيبرس

عمان – أكد خبراء قانونيون أنّ التعديلات المقترحة على مسودة مشروع قانون معدل لقانون أصول المحاكمات المدنية التي تتضمن أتمتة بعض الاجراءات في المحاكم، من شأنها أن تخفف الضغط على المحاكم وعلى القضاة والموظفين، اضافة الى التسريع من المعاملات وتيسير اجراءات المحاكمات.اضافة اعلان
وفي المقابل، رأوا أنّ هذه "الأتمتة" قد تفقد مهنة المحاماة والقضاء جزءا من "تقاليد مهنة المحاماة والقضاء"، وتحسم من رصيد الأدوار الرئيسيّة للمهنتين.
وشددوا على ضرورة التأكد من جاهزية المحاكم لتطبيق التكنولوجيا بشكل كامل، وحصول كافة الأطراف من قضاة ومحامين وموظفين، على التدريب اللازم قبل السير في هذا الاتجاه.
يأت هذا في الوقت الذي تسير فيه الحكومة نحو إجراء تعديلات على قانون أصول المحاكمات المدنيَّة للعام الحالي، والذي يُتيح استخدام النِّظام القائم على الإيداع، بحيث يتمُّ تبادل المذكَّرات المكلَّف بها، أو المُرافعات التي تُقدَّم خلال جلسات المُحاكمة بالإيداع، سواء لدى قلم المحكمة أو إلكترونيَّاً دون عقد جلسة محاكمة.
وتُجيز التعديلات المنشورة على موقع ديوان التشريع والرأي، التبليغ بإرسال رسالة نصية او البريد الالكتروني أو باستخدام إحدى ‏الوسائل الإلكترونية إذا كان المطلوب تبليغه محاميا على عنوانه المصرح به في الدعوى او لدى نقابة ‏المحامين أو كان له عنوان مصرح به من قبله في الدعوى‎.‎
كما أتاحت تبليغ اللوائح ومرفقاتها والمذكرات والمرافعات ورقياً أو إلكترونيا‎، وإبلاغ الخبير أو الشاهد برسالة نصية أو على عنوان بريده الإلكتروني أو باستخدام إحدى الوسائل الإلكترونية.
‎كما منحت الحق للمحكمة بالتحقق من صحة عنوان الشاهد باستعمال أي وسائل إلكترونية يحددها النظام قبل تسطير مذكرة إحضار بحقه، إضافة إلى جواز نشر إجراءات التبليغ على المواقع الإلكترونية للصحف المحلية اليومية.
ومكنت المحكمة من تبليغ المطلوب المقيم في بلد أجنبي بالطرق الدبلوماسية باستخدام ‏إحدى الوسائل الإلكترونية على العنوان المصرح به من قبله في الدعوى.
واشترطت أن تضم لائحة الدعوى رقم الهاتف الخلوي للمدعي ومن يمثله والمدعى عليه ومن يمثله، وعنوان البريد الالكتروني لهم ما أمكن.
وأضافت التعديلات خيار تقديم الدعوى إلكترونيا إلى قلم المحكمة متضمنة لائحة دعواه وحافظة بالمستندات المؤيدة لدعواه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة‎، وقائمة ببيناته الخطية الموجودة تحت يد الغير‎، وقائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في اثباتها بالبينة الشخصية لكل شاهد على حدة، وللمدعي أن يرفق ‏بهذه القائمة شهادة خطية لأي من شهوده على أن تكون مشفوعة بالقسم أمام الكاتب العدل‎.
نائب نقيب المحامين وليد العدوان اكد أنّه، وبالرغم من الايجابيّات التي قد تؤديها هذه الاجراءات، وخصوصاً فيما يتعلق بتسريع المعاملات وانجاز القضايا، إلّا أنّها في ذات الوقت قد تمس بتقاليد مهنة المحاماة والقضاء، وأدوارها الرئيسية.
ولفت الى ضرورة الابقاء على المحاكمات الوجاهيّة، خصوصا وأنّ هناك ما يسمى بـ"فن مناقشة الشاهد" والذي يرصد انفعالاته وتصرفاته ما يساعد في الوصول الى الحقيقة، وهذا ما لا توفره المحاكمات عن بعد.
وأكد ضرورة التأكد من مدى الجاهزيّة لتطبيق هذه الأتمتة، من خلال توفير البنية التحتية السليمة، والتي تضمن عدم انقطاع الانترنت وغيرها من الامور التي قد تؤثر على سير القضية.
بدوره، أكد رئيس جمعيّة الحقوقيين الأردنيين المحامي باسم المبيضين أنّ هذه التعديلات "جاءت في محلّها، خصوصا في ظل العالم الالكتروني، حيث أنّ هذا سيسرّع ويسهّل المعاملات ويخفف الضغط على المحاكم والقضاة والعاملين فيها".
واعتبر مبيضين أنّ هذه الخطوة "متقدمة في القضاء، ومن شأنها أن تخفف الضغط على المحاكم التي لم تعد تستوعب الزيادة في الاعداد المتزايدة من القضايا والمراجعين والمحامين، وبالتالي التخفيف على القضاة وموظفي المحاكم".
غير أنّه تساءل عن البدائل المطروحة في حال كان هناك أي عطل الكتروني، وكيف سيؤثر ذلك على سير المعاملة، فافترض أن يقوم المحامي – على سبيل المثال- بالطعن الكترونيًا بحكم في اليوم الأخير من المدّة المسموح بها، وكان هناك خلل في الأجهزة أو في الانترنت، هل سيكون هناك بديل او حل لذلك؟ وهل سيكون هناك اشعار استلام من المحكمة المختصة؟
وألمح إلى أنّ تطبيق الاتمتة في البداية قد يواجه عوائق ومشكلات، لأنّها تحتاج الى خبرة في التعامل مع الجوانب الفنيّة الالكترونيّة، غير انه يتوقع أن تسير وتنتشر، مشيرا الى أنّ هناك دولا قدمت هذه الحلول منذ سنوات وسارت بها.
وقال إنّ المسودة راعت وجود أمور لا تجوز فيها المعاملة الاكترونيّة، وخصوصا المتعلقة باستجواب الخصوم ودعوة الخبراء، وأمور أخرى، حيث راعت خصوصية وأهمية التواجد في بعض القضايا.
من جهته، قال مدير المشاريع في المنظمة الدولية للاصلاح الجنائي محمد شبانة إنّ الإجراءات المقترحة في التعديل تميل الى توسيع طرق التبليغ وزيادة فاعليتها ونجاعتها، ما يعني في المحصلة التسهيل على كل المعنيين بالعمليات والاجراءات التي تتم في المحاكم والمبلغين والاطراف كافة، خصوصاّ أنها لا تلغي طرق التبليغ الشخصية بل تسعى إلى تسريع وتسهيل الإجراءات وبالتالي تسريع المحاكمات وفصل القضايا.
وأكد شبانة بأنّ التعديلات المطروحة عمليّة وستكون فعالة في ضوء ان معظم الناس لديهم وسيلة على الاقل من وسائل التبليغ المقترحة.
وأشار الى أنه، وفي السنوات الأخيرة، شهد الأردن تطورات مهمة على صعيد تعديل التشريعات. منها ما كان خاصا بمواضيع معينة مثل الأسرة والأحداث. ومنها ما كان منسجما مع السياسات الحديثة في المعاملة الجنائية وتبني تدابير وعقوبات إصلاحية هدفها خدمة المجتمع والمحافظة على الأمن والسلم وسيادة القانون.
وأضاف أنّ من المشاكل التي كانت تواجه المحاكم والمتخاصمين، هي قضية الإبلاغ عن مواعيد المحاكمات وإجراءاتها وطلب الشهود وغيرها، وبالتالي وجود عبء على المحاكم وعدم وضوح العناوين وصعوبة الوصول إلى الأطراف المتخاصمة.
وكانت الحكومة ذكرت في مسودة المشروع الأسباب الموجبة للتعديلات، وهي "الحد من اكتظاظ المراجعين في أروقة المحاكم، وحفاظاً على الوقت والجهد، وتيسير إجراءات المُحاكمة، وتقصير أمد التَّقاضي؛ وذلك بإضفاء الشَّرعيَّة على استخدام الوسائل الإلكترونيَّة في إجراءات التَّقاضي، بما في ذلك إجراءات تبليغ الأوراق القضائيَّة وتسجيل الدَّعاوى، وتبادل المذكَّرات والَّلوائح والمرافعات إلكترونيَّاً، مع توفير جميع الضَّمانات والحقوق المقرَّرة".