"تلبيس طواقي".. من دين قديم لآخر جديد "تضيق" سبل السداد

"تلبيس طواقي".. من دين قديم لآخر جديد "تضيق" سبل السداد
"تلبيس طواقي".. من دين قديم لآخر جديد "تضيق" سبل السداد

بعد ما يقارب الثلاث سنوات من أول "دين مالي صغير" استلفه أبو فراس من أحد أصدقائه، اكتشف أنه بات مكبلا بالديون الصغيرة المتعددة، لتصبح كما يطلق عليها "تلبيس طواقي"، يستدين من أحدهم ليغطي دينا آخر، وهكذا إلى أن أمسى "يدور في الدائرة ذاتها".

اضافة اعلان

 

 أبو فراس اعتاد على هذا النوع من "تمشية الحال" كما يقول، لتسيير أمور العائلة، فأبناؤه الآن في الجامعات وبحاجة إلى مصاريف مالية عالية، فيما يتعلق برسوم الجامعات وغيرها.


وعلى الرغم من أنه وزوجته عاملان، إلا أنهما كما يقول أبو فراس، بحاجة إلى مصاريف يومية، وبالتالي اللجوء إلى "الاستدانة" من المعارف، بعيداً عن البنوك والفائدة العالية.


ووفق ما يقول، فإن حاجتهما للمبالغ ليست كبيرة، وبالتالي يمكن أن يتم سدادها خلال فترة من الزمن، ولا يستحق الأمر عناء "قروض البنوك".


هذه الطريقة التي يتبعها الكثير من الناس في حياتهم اليومية، والدائن والمدين عادة ما تربطهما علاقة صداقة أو قرابة، ويكون الاتفاق على موعد محدد لتسديد الدين، لذلك، قد يضطر الشخص إلى الاستدانة من آخر لسداد دين محدد حان وقته، وهذا ما يعرف في اللغة العامية بـ"تلبس الطواقي".


خبير الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش، يرى أن الاستدانه لسداد دين آخر، ما هي إلا صورة معبرة عن الوضع الاقتصادي والمعيشي لكثير من الأسر ذات الدخل المنخفض، قياساً بالنفقات، والتي تكون ناجمة أحيانا عن سوء تخطيط للدخل، ليتكبل الشخص بتكاليف إضافية بسبب الإنفاق غير المنضبط.


ويبين عايش، أن هناك عجزا واضحا بين دخل الأسرة ونفقاتها، إذ إن دخل الأسرة إذا كان بحدود 11 ألف دينار سنويا على سبيل المثال، يكون معدل إنفاقها 12500 دينار، وهذا يعتبر عجزا، ويمكن القول: "إن كثيرا من الأسر الأردنية تحتاج إلى دخل إضافي لسد هذه الفجوة".


هذه الفجوة، تكبر أو تصغر لدى كثير من الأسر الأردنية، كما يقول عايش، لذلك يتم سد تلك الفجوة بالديون، إذ إن حوالي 40 % من الأسر الأردنية يحصلون على الديون خارج إطار الاقتراض المصرفي، أي إنها ديون غير رسمية، وهم يشكلون ما نسبته 14 %. وأمام هذه الحالة نحن في إشكالية، إذ إن معظم هذه الديون غير الرسمية من الصعب سدادها، لأن العجر في دخل الأسرة مستمر.


هنا، تبحث العائلة عن "تدوير" تلك الديون، على حد تعبير عايش، وذلك من خلال دين جديد لسداد دين قديم، بالتالي تحمل كلفا إضافية كبيرة، وتصبح جزءا من نفقات الأسرة واحتياجاتها، ما يفاقم من مشكلة العجز عن الوفاء بالالتزامات، خصوصاً مع ارتفاع الكلف والفائدة.


وهناك الكثير ممن باتوا يعملون في مجال "تجارة الديون"، وخاصة الصغيرة منها، وهذه تعكس المشاكل التي تعانيها الأسر بموازناتها.


ولعل شركات التمويل الصغيرة، تعكس عدم قدرة الكثيرين على سداد تلك الديون وظهور "الغارمين والغارمات"، خاصة أن هناك فوائد مترتبة.


ويوضح عايش، أن هذه الأسر لا تملك الموارد للالتزام بسداد ديونها، ودخلها لا يكفي خصوصا مع النفقات الإضافية، والنتيجة تراجع بالأوضاع الاقتصادية، وحصول اضطرابات اجتماعية وازدياد في عمليات الاحتيال.


ويرى كثيرون، أن نسبة كبيرة ممن يلجأون إلى طريقة "تلبيس الطواقي" هم المستجدين في حياتهم الأسرية والزوجية، كونهم ينطلقون من تكاليف مادية جديدة، وقد يعتمد بعضهم على ديون صغيرة في تيسير أمور الزواج، على أمل سدادها فيما بعد، بيد أن تكلفة الحياة ما بعد الزواج، قد تضطرهم إلى تأخير السداد، وبالتالي اللجوء إلى دائن جديد لتغطية تكلفة دين قديم.


الخبير والاختصاصي الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، يبين أن القدرة على الإدارة المالية للأسرة من أهم عناصر نجاح الأسرة واستقرارها وديمومتها وهذه الإدارة تبدأ من مرحلة ما قبل الزواج، وذلك بعدم المبالغة في تكاليف الزواج بحيث تتناسب مع الدخل، والحرص على عدم تحمل الديون بشكل كبير يفوق قدرة الشخص على الإيفاء بالتزاماته.


كما يعتقد سرحان، أن البعض يبالغ في تكاليف الزواج ويتحمل الديون أكثر من قدرته مما يجعله غير قادر على سدادها أو قد يكون ذلك على حساب متطلبات الأسرة الرئيسية، فيؤدي ذلك إلى حدوث مشكلات بين الزوجين وقد تصل إلى الطلاق، ويقوم البعض حتى يتمكن من سداد ما عليه من التزام شهري "بالاستدانة" من أقاربه أو أصدقائه أو البنوك أو المؤسسات الممولة، وقد يترتب على ذلك فوائد وزيادة في المبلغ المستدان أضعاف المبلغ الأصلي.


ولأن "الاستدانة" الثانية لم يتم دراستها، فإن الشخص يعجز عن السداد وما يقوم به في الحقيقة هو عملية (تحايل على النفس) فهو ينقل الدين من شخص الى آخر فقط.


من الملاحظ، وفق سرحان أن جزءا من الديون التي يتحملها الشخص أو الأسرة يكون بسبب النفقات الزائدة أو المبالغ فيها والعادات السلبية التي يعتقد البعض أن الالتزام بها أمر مقدس إضافة إلى تقليد الآخرين.


القدرة على ترتيب الأولويات وضبط النفقات والموازنة بين الدخل والمصروفات فن ومهارة، بحاجة إلى عزيمة واستعداد لمواجهة النقد الاجتماعي غير المبرر في كثير من الاحيان، كما أن ثقافة الاستهلاك "تغزو" كثير من الأسر وهي من الأسباب الرئيسية لتحمل الديون، وكذلك الإنفاق على الكماليات وحب التفاخر.


ويعتقد سرحان، أن بعض المؤسسات التي تقدم القروض الصغيرة تشجع - للأسف - على هذه الممارسات وهي تقدم القروض من دون التأكد من الوضع المالي للشخص ومن قدرته على الالتزام بالسداد، مما يعني اللجوء إلى المحاكم أو استرداد المبالغ من الكفلاء مما يساهم في زيادة المشكلات الأسرية وتفكك الأسرة وهذا يؤثر على بنية المجتمع.


وفي بعض الأحيان، تلجأ مؤسسات وجهات لسداد مثل هذه الديون نيابة عن الأشخاص المستدينين وهو ما يعني استنزافا لموارد هذه المؤسسات وقد يكون ذلك على حساب أشخاص أكثر حاجة للمساعدة، لكنهم آثروا الصبر والعيش بالإمكانيات الموجودة لديهم، والأصل مراجعة وتوعية المجتمع والأفراد، ووضع ضوابط لعمل الجهات التي تقدم القروض الصغيرة، على حد تعبير سرحان.


من جهتها تؤكد الاستشارية والاختصاصية النفسية الدكتورة خولة السعايدة، أن الديون والأقساط تدخل ضمن الضغوط الاقتصادية، وأي إنسان معرض لذلك خلال فترة من حياته، وإن كانت متباعدة أو متقاربة، لكنها تؤثر على حالته النفسية والجسمية، ووفقا للدراسات، فقد تؤثر الديون سلبيا على الجسد وتسبب الاكتئاب والقلق المرضي، واضطرابات في النوم والأكل.


وقد يكون هناك تفاوت في هذه الأعراض من شخص إلى آخر، كما تبين السعايدة، ويعود ذلك لعوامل عدة، فهناك أشخاص لديهم دعم نفسي من المحيطين، مثل الأهل والأصدقاء، لذلك نجد شخصا أقل تأثرا من غيره، وبحسب قدرته على مواجهة الضغوط بصلابة نفسية قوية.


تلك الضغوط المادية، قد تكون سببا في الإقدام على الانتحار في كثير من الأحيان، لذلك التوعية بهذا الجانب تعد أمرا مهما، كما تقول السعايدة بكيفية التعامل مع الضغوط اياً كانت وبكل الظروف، والتخفيف منها، ومعرفة متى نلجأ للشخص المناسب في الوقت المناسب لمساعدتنا قبل الوصول إلى مرحلة لا تحمد عقباها.

 

اقرأ أيضاً: 

 الديون في الأردن.. عوامل متعددة وأسباب متنوعة