كتاب يستعرض "السردية العربية الحديثة" في مجلدين

غلاف الكتاب - (من المصدر)
غلاف الكتاب - (من المصدر)

عزيزة علي

عمان- يستعرض الدكتور عبدالله إبراهيم في كتابه "السردية العربية الحديثة" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، في مجلدين، "تفكيك الخطاب الاستعماري وإعادة تفسير النشأة"، و"الأبنية السردية والدلالية".

اضافة اعلان

واشار المؤلف، في كلمة له على غلاف الكتاب، انه يطمح لـ "بناء السياق الثقافيّ لنشأة السرديّات العربيّة الحديثة، ويتطلع إلى استعادة، التفاعلات الثقافيّة في القرن التاسع عشر التي شهدت انهيارات نسقية في مفهوم الأدب، وتحلل ابنية السرد القديم، وبداية تشكل الأنواع الجديدة".
ويتابع "الكتاب لا يمتثل للفرضيات الشائعة حول نشأة تلك الظاهرة، إنما يدعو إلى التحرر من هيمنة الخطاب الاستعماري الذي رسخ جملة من التصورات الشائعة التي صاغت الوعي النقدي صوغا قاصرا، ولا تتكشف تحيزات الخطاب الاستعماري دون رؤية نقدية تتخلص من فرضياته، ومقولاته، ونتائجه، وهي نتائج غير دقيقة، وقد أهملت معظم الحيثيات التي دفعت بالسردية الحديثة إلى الظهور".
ونوه ابراهيم في مقدمة الكتاب الى ان السردية العربية الحديثة "انبثقت عن خضم التفاعلات المحتدمة بين المرجعيات والنصوص والأنواع الأدبية"، مبينا انها "الثمرة التي انتهت إليها حركة التمازج التي قامت بين الرصيد السردي التقليدي، ومؤثرات ثقافية جديدة، والحراك الذي عصف بالأنواع الأدبية التقليدية.
من ابرز ذلك، وفق ابراهيم، "ضعف الحدود الفاصلة بين الأجناس والأنواع، وغياب الهويات النصية الثابتة، وتفكك الأنظمة السردية التقليدية، ثم انحسار القيم الثقافية الداعمة للأدب القديم، فضعف الحدودة بين الأنواع القديمة وانحسار القيم التقليدية نزعا الشرعية عن السرد القديم، وفتحا الأفق امام السرد الحديث. تتفكك الأنواع الأدبية حينما تجرد من الدعم الثقافي والقيمي والوظيفي، فتتوارى بالتدريج مخلفة مادة سردية بلا هوية".
وبين المؤلف انه عندما يدور الحديث حول ظاهرة سردية ذات طابع ادبي- ثقافي، مثل الرواية، لابد من التركيز على كيفيات التمثيل، والوظائف والتحولات البنائية في صيغ سرد. وكل بحث يتوخى الدقة، ينبغي عليه ألا يهمل التركة السردية الثمينة التي تراكمت طوال اكثر من الف عام، ثم بدأت تتأزم في القرن التاسع عشر، في إشارة واضحة الى الانهيار الذي استغرق نحو قرن من الزمان.
وأضاف السردية العربية الحديثة ظاهرة مركبة تفاعلت أسباب كثير من اجل ظهورها، ولم تكن نتاج نص طليعي انشق عن نسق واع فأوجد تيارا جديدا اتبع فيما بعد، لذلك يستبعد الرصيد السردي الضخم الذي ما انفك يتفاعل طوال القرن التاسع عشر، ويهمل القضية الاكثر خطورة: الكيفية التي يتكون فيها نوع جديد من امشاج الظواهر السردية السابقة عليه.
المجلد الثاني من الكتاب "الأبنية السردية والدلالية"، يبين ان الأدب العربي الحديث بالنصوص السردية وخاصة العربية يحتفي احتفاء كبيرا، إلى درجة يمكن القول فيها إن عصرنا هو عصر الرواية؛ فالرواية نوع أدبي انتزع الاهتمام، ونجح خلال مدة وجيزة في الاستئثار بالمكانة الأولى في الآداب العالمية، وذلك لا يعود إلى قدرتها في تطوير وسائل السرد وأساليبه فحسب، بل إلى قدرتها الفائقة في تمثيل المرجعيات الثقافية والنفسية والاجتماعية والتاريخية، وهو امر فاق قدرة الأنواع الأدبية الأخرى التي انحسر دورها، فكفت الى درجة بعيدة عن الإسهام في تمثيل التصورات الكبرى عن الذات والاخر.
ويعتبر المؤلف ان الرواية يمكن ان تعد من "المرويّات الكبرى" التي تسهم في صوغ الهُويّات الثقافيّة للأمم، بسبب قدرتها على صوغ التصورات العامة عن المجتمعات والحقب التاريخية والتحولات الثقافة، فروايات الفروسية الأوروبية علامة رمزية دالة على العصر الذي ظهرت فيه، ورواية القرن التاسع عشر في روسيا وانجلترا وفرنسا كشفت عبر التمثيل السردي الأنساق الثقافية والاجتماعية لتلك المجتمعات، وصورت الرواية العربية في القرن التاسع عشر الحراك الاجتماعي، بما في ذلك منظومة القيم العامة والذوق الادبي السائد، والتصورات الجماعية عن الذات والآخر.
ورأى ابراهيم ان الرواية العربية "تخوض الآن تجربة الرهانات الكبرى في التمثيل، فتسهم في صوغ تصوراتنا عن عالمنا بأنساقه الثقافية والقيمة والدينية، وصراعاته وتناقضاته الكبرى"، مشيرا الى ان استقرار النوع الروائي ينبغي إلا يمحو الصعاب التي واجهته، فلم تنتزع الرواية شرعيتها الثقافية، الا بعد ان ترسخت، نسبيا، المعالم الاساسية للحداثة، ومنها مؤسسة الدولة والحقوق المدنية والهويات الفردينة، وحيثما كانت تلك المعالم هشة فقد قوبلت الرواية بصدود عام.
وخلص المؤلف الى ان المجتمع يحتفي بالرواية، ولكن شرعيتها الثقافية ينبغي ان تنبثق من السياق الاجتماعي الحاضن لها، وليس من جامعة المشتغلين بها وبشؤونها، ومهما كان الحال فقد عبرت الرواية تخوم الشك بقيمتها الأدبية، وتخطت النظرة الدونية إليها، وصارت نوعا جديرا بالتقدير، وهي في طريقها لانتزاع التقدير الكامل، بوصفها لب الأدب السردي في العصر الحديث.

[email protected]