أشد الأوجاع ... الغائب

على غرار المثل الشعبي القائل «أشد الأوجاع الحاضر» انصب اهتمام المعنيين بقطاع الصحة على التعامل مع جائحة كورونا على حساب قطاعات الصحة الأخرى التي غابت عن الأجندات الصحية في معظم الدول وخفت صوتها تحت ضجيج لا صوت يعلو على صوت الوباء.اضافة اعلان
وتتجلى هذه المعضلة بشكل خاص في الدول التي تعاني قصورا مزمنا في قطاعها الصحي يتمثل في نقص عدد الأسرِّة في المستشفيات وازدحام المرافق وطول قوائم الانتظار للحصول على الرعاية الطبية.
لقد بدأت تخرج إلى العلن مؤخرا تقارير مهمة من دول عدة تتحدث عن حجم الخسائر غير المباشرة للوباء من خلال عدم حصول ملايين الأشخاص ممن يعانون الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسرطان والرئة وغيرها على الرعاية الصحية الضرورية تشخيصاً وعلاجاً.
ففي مجال السرطان تشير العديد من الأوراق البحثية الى أن هناك أعدادا كبيرة من الحالات يتم تشخيصها في مراحل متقدمة بسبب توقف الدول عن إجراء الفحوصات التشخيصية، كما عانى آلاف المرضى تأخير العلاج أو انقطاعه مما أدى إلى نتائج سلبية على صحة المرضى واستجابتهم للعلاج، كما أدى امتلاء أسرِّة العناية الحثيثة بمرضى كوفيد إلى حرمان المرضى الآخرين من هذه الأسرِّة.
ولا يشكل الأردن استثناء فقد كان يفترض أن تكون الهدنة القصيرة مع الفيروس فرصة ذهبية لسد العجز في قطاعنا الصحي، لكن تعاملنا معها كما لو كانت نصراً نهائياً فوت علينا هذه الفرصة، ففي الوقت الذي كنا مشغولين فيه بمراسم تأبين «الفقيد» كان الأخير يعد العدة لهجمة أشد شراسة، وهذا ما جسده الكتاب المفاجئ الذي بعثه معالي وزير الصحة إلى المستشفيات المتخصصة ودون تنسيق مسبق والذي يقضي بضرورة حجر وعلاج هؤلاء المرضى في هذه المستشفيات وعدم تحويلهم إلى المستشفيات المخصصة لعلاج مرضى كوفيد، مما سيؤدي حتما الى حرمان مرضى الأمراض المزمنة من حقهم في سرير في مستشفيات وأقسام وجدت أصلاً لهذه الغاية، فلا أرى من الحكمة اللجوء إلى أسرِّة المستشفيات المتخصصة لسد العجز في أسرِّة العناية الحثيثة، وإن استمر هذا النهج فلن يجد مريض السرطان أو القلب أو غيرها سريراً يأوي اليه.
مازالت لدينا فسحة من الوقت لتدارك التأخر بالاستعداد للمواجهة الجديدة مع الفيروس من خلال إنشاء مستشفيات ميدانية قادرة على التعامل مع الحالات المتزايدة التي تستدعي الإدخال إلى أقسام العناية الحثيثة وترك الأسرِّة المتخصصة لتخدم الطرف الذي أنشئت من أجله، فعدد الوفيات من الأمراض غير السارية يفوق بعشرات المرات عدد وفيات كورونا، فليس دائماً ما تصدق مقولة «أشد الأوجاع الحاضر» فرب غائب أشد حضورا.