إبراهيم: القصيدة الحقيقية هي التي تَرسُم بالكلمات صورا لا تموت

إبراهيم: القصيدة الحقيقية هي التي تَرسُم بالكلمات صورا لا تموت
إبراهيم: القصيدة الحقيقية هي التي تَرسُم بالكلمات صورا لا تموت

شاعر أردني يتطلع لمفهوم إنساني واسع للأغنية الوطنية

محمد جميل خضر

عمان- يتطلع الشاعر الاردني وليد ابراهيم الى أفق, ينال المبدع المحلي في مداه تكريمه الأهم في بلدة وبين ناسه, ويتساءل كاتب كلمات عشرات الاغنيات التي قدمها مطربون محليون وعرب الى متى سنبقى نلقى التقدير من أقاصي الارض ونحصد الجوائز، فيما نحن أقرب ما نكون الى مجرد اشخاص مجهولين في بلدنا؟!

اضافة اعلان

وخلال مسيرته الممتدة على مساحة 12 عاما, كتب ابراهيم المولود في عمان اواسط ستينيات القرن الماضي، الشعر الفصيح (العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر) والمحكي بلهجات عربية عديدة (محلية وخليجية على وجه الخصوص).

وعندما كان صغيرا, كان ابراهيم يجترح الشعر بينه وبين نفسه, وفي المرات التي كان يتجزأ ويقرأ فيها شعره لبعض اهله وكبار السن في العائلة, كان يواجه بسؤال: (من وين سارق هالكلام الجميل؟), ما عنى له امرا آخر غير ما اراد السائلون (ربما).

ومنحه السؤال في سياق متواصل ثقة بما يكتبه, وبما يسترق من وقت ومن لحظات ويرسمه شعرا وصورا فوق بياض الورق.

وعندما كان صغيرا ايضا, وتحديدا في صفه المدرسي الرابع, حدث ان دعاه صديق له لا يزال يذكر اسمه (سمير الرفاعي) لمشاركته في حفل يقيمه الصديق الطفل بمناسبة عيد ميلاده, ولما كانت ظروف ابراهيم المعيشية صعبة في ذلك الزمن البعيد, ولما كان غير راغب بتكليف والده الذي يحبه ثمن هدية يأخذها في طريقه لبيت صاحبه, فقد قرر ان تكون هديته للصديق بيت شعر نظمه من اجله يقول فيه "ماذا اقول في يوم ميلادك/ أأنت العيد ام عيد بأعيادك".

ولأنه كان متعلقا (جدا) بوالدته التي تملك كما يقول ابراهيم "اذنا موسيقية جميلة", فقد كانت هي بحبها له وحبه لها دليله للانتقال من الشعر لذاته، الى كتابة الشعر الذي يصلح للأغنيات وتنجح معه افكار الملحنين.

وللأمر حكاية, فإبان عمله في حقل الطيران قبل الانتقال الى العمل في السعودية مدير عمليات في مطبعة كبرى هناك, كتب لأمه ذات يوم يقول لها "تدرين يا ميمة وانا فوق الغيمه/ تدرين مرة طيفه مر قربي وسلم علينا" فقالت له "هذه تنفع اغنية" وهو ما شكل مفصلا مهما في حياته الشعرية الفنية.

وبدأ مشوار الكتابة للأغنيات وله فيه دواوين مطبوعة, "همسات" الصادر في العام 1997 والمحتوي على 48 قصيدة غنائية, غنى مطربون محليون وعرب حوالي نصفه, ومنهم: شقيقه عامر محمد, رامي شفيق, المطرب السعودي عبدالله الصقيّر, عشتار, احمد رامي, المطرب السعودي فارس مهدي, المطربة غادة العباسي وآخرون.

وبعد النجاح الذي حققه ديوانه الاول, وتحوُّل كثير من قصائده الفصيحة والمحكية الى اغان بأصوات ناصعة البيان عارفة بأسرار الالحان, جلس ابراهيم بينه وبين نفسه وتساءل: أين الكلمة الاردنية في سوق الغناء العربي؟! هناك المصرية, واللبنانية, والسورية والخليجية والعراقية وحتى المغاربية, ولكن الاردنية, كما يبوح في حوار مع "الغد" لم تحقق خصوصيتها, واقتصر افقها كما يرى بأغان بعينها توحي كما لو اننا واقفون طوال الوقت على جبهة قتال ضد عدو مجهول.

وفي تقديره, ان الاغنية الوطنية ينبغي ان لا تحصر نفسها بموضوع واحد وحيد, هي نعم تبدأ من التغني في حب الوطن وجباله وسهوله وقراه وبواديه وبيارات زيتونه وتلال زهره البري, ولكنها يمكن ان تكون وطنية حتى وهي تذوب في عشق المحبوب, وتتغنى بخصاله وبهائه العظيم، ووطنية حين تتغنى، وتحتفي بالطفولة بالأم والشقيق ورفيق الدرب الطويل.

في هذا الإطار اشترك إبراهيم في مهرجان بترا الأول (والأخير إذ توقف بعد ذلك) في العام 2000، وفازت أغنية "آن الأوان" من كلماته وألحان الفنان د. أيمن تيسير وغناء الفنانة أمل شبلي بالمركز الأول لأفضل عمل غنائي متكامل.

بعد ذلك فازت مشاركته الثانية بالجائزة الكبرى أيضا لأفضل عمل غنائي متكامل، كان ذلك في الدار البيضاء المغربية العام 2002 والاغنية "داعي سلام" كلماته وألحان شقيقه عامر محمد وغناء المطرب رامي شفيق, وكان انجازا لافتا ونوعيا لبلده وناسه.

شجعته الانجازات المتلاحقة للعمل على ديوانه الثاني, وكان "مسافات" الذي يصفه بأنه عمل ضخم استنزف منه جهدا كبيرا وتركيزا عاليا, وأتاح له ديوان "مسافات" دخول عالم الفن من اوسع ابوابه, كما يشير بفخر، خصوصا عندما تصدى الموسيقار السعودي المعروف د. عبدالرب ادريس لتلحين عدد من قصائد الالبوم وأغنياته وغنى بعضها بصوته الفنان السعودي عباس إبراهيم صاحب أغنية "ناديت".

سمة الديوان الثاني كانت خليجية بالغالب "لإثبات الوجود" كما يبرر ابراهيم هذا التوجه الذي تبناه في عدد من قصائده, وأتاحت له قصائد الديوان، تربع صدر كثير من مجالس جدة، والمشاركة في أمسيات شعرية في باريس والمغرب أيضا.

ولم يهمل إبراهيم الجانب المعيشي، فسعى وراء رزقه, لأن كتابة الشعر برأيه وفي ظل الظروف القائمة حاليا "لا تطعم خبزا" فسافر للسعودية ليعمل مديرا, وهناك قدروه وبدل ان يكتبوا على مكتبه صفته الوظيفية في العمل، كتبوا "الشاعر وليد ابراهيم" كتبوها له حتى قبل ان يدخل مكتبه, كما يؤكد.

عائلته ايضا معه وتشعر بالزهو والفخار في كل مرة يحصد فيها جائزة، وآخر هذه للجوائز كانت للعام الماضي عندما فازت أغنية "من ها هنا" كلماته وألحان شقيقه عامر ماضي وغناء الفنان رامي شفيق بالجائزة الثانية لأفضل عمل متكامل في مهرجان موسيقي غنائي عالمي أقيم في الاسكندرية، وشاركت فيه 48 دولة عربية وأجنبية من بينها اسبانيا وايطاليا والمانيا وتركيا واليونان.

وعلى الشاعر ان يقرأ أمهات الكتب ومعظم دواوين الشعر العربي قبل أن يعلن عن نفسه شاعرا، كما يذهب ابراهيم الى ذلك، متذكرا الساعات الطوال التي قضاها وما يزال يقضيها بين كتبه ورواياته ودواوينه من الشعر العربي القديم منذ الجاهلي مرورا بالأموي والعباسي وحتى شعر عصر النهضة والشعر العربي الحديث.

ويعشق ابراهيم الى ذلك شعر المعارضات وله فيه تجارب عديدة, ويعتز بالمقولة التي تصف الشعر بأنه ديوان العرب, ويصف القصيدة الجميلة بأنها لوحة جميلة "ترسم بالكلمات" ورغم كل ما كتبه بحب للوطن الا انه يحس بأنه لم ينصف ويتمنى ان يقدم ما يليق بوطنه وناسه.

وفي سياق احتفالية عمان بمئويتها انجز ابراهيم اغنية بدأت تبث بصوت الفنان عمر العبداللات والحان الفنان وائل الشرقاوي وتوزيعه "ترابك عطية من ذهب والخير كله فيه/ وقلبي مثل كرم العنب ما ينبت الا فيه/ يا روح بأنفاس الشعب يا حاضره وماضيه/ عمان يا عزوة ونسب مين حبك تحبيه".

ابراهيم يعكف حاليا على انجاز كتاب يروي تاريخ الامير الطاهر العمر الزيداني "إذ إنني واحد من أحفاده".

كما يضع اللمسات الأخيرة لمغناة "القرار الصعب" المقدمة للقدس المحتفى بها عاصمة للثقافة العربية 2009.

ومن المتوقع ان يشارك في المغناة المدعومة من قبل منتدى بيت المقدس 22 فنانا من 22 دولة عربية.

والفكرة أن يغني كل فنان منهم مقطعا من كلمات ابراهيم ومن الالحان التراثية لبلد الفنان الذي يغني ذلك المقطع من المغناة.

ومتفاعلا مع وجع الاهل في غزة اثناء العدوان عليهم كتب ومنذ اليوم الثاني للعدوان اغنيته "ضمي الحزن ضمي/ غزة لا تهتمي/ همك ترى همي/ والنصر لك عنوان/ لو يقطعوا التيار/ والمي والآبار/ يا كبار ضلوا كبار/ الله على الطغيان".

غناها رامي شفيق بصوته وألحانه وأخرجها على طريقة الفيديو كليب حماد الزعبي وبثتها فضائيات عربية عديدة في وقتها.