إرهاب المسلمين أولا!

الجريمة البشعة التي وقعت ضد مسلمين من جنسيات مختلفة في بيت من بيوت الله، في نيوزيلندا، لا يمكن الا وصفها بكونها عملا إرهابيا قذرا وبشعا، بكل المعايير.اضافة اعلان
لا يمكن أيضا قبول التلميحات الرخيصة التي يراد تمريرها، بكون الجريمة تأتي من باب رد الفعل على اعمال إرهابية ارتكبها مسلمون في هذا العالم، لأن البعض يريد تبرئة مرتكبي الجريمة، بالقول إن المسلمين، هم من أسس لهذا المبدأ، وهم من اشاع هذه الطريقة.
لم يقبل اكثر من مليار ونصف مليار مسلم في هذا العالم، أي عمل إرهابي، قامت به مجموعة متشددة، شعاراتها إسلامية، فنحن لسنا امة إرهابية، ولا نقبل قتل الأبرياء، ولو كان الإسلام بنسخته الاصلية هكذا، لما انتشر ووصل الى كل موقع في هذه الدنيا.
مثلما لا يصح ربط الإسلام والمسلمين، بالجرائم الإرهابية، لا يصح ربط بقية الأمم، بالإرهاب، أيضا، ومقابل الإسلام فوبيا أي الخوف من الإسلام والمسلمين، خصوصا، بعد تفجيرات نيويورك 2001، موجات من الكراهية المضادة بيننا يتم تعزيزها اليوم، ضد الغرب، وضد الدول الأخرى، ردا على تصرفات كثيرة، وهذا يعني ان العالم ينزع الى التطرف، والتشدد، والكل يرد على الآخر بذات الطريقة، دون ان يعترف احد بمسؤوليته الكلية او الجزئية.
بعد حادثة نيوزيلندا علينا ان نتوقع اعمالا انتقامية من جانب افراد مسلمين، او جماعات إسلامية في دول كثيرة، وقد يأتي الرد بالطريقة ذاتها، أي اقتحام كنائس، او التفجير في أي موقع، لأن رد الفعل هنا، لا يمكن توقعه ضمن اطار العقلانية، او الدعوة الى التهدئة، وربما حادثة نيوزيلندا اكبر هدية الى الجماعات المتشددة، التي تراجع دورها كثيرا، وستجد في الحادثة دليلا على صدقية موروثها، وشعاراتها، ووسيلة للتحشيد من جديد.
قد لا يقع رد الفعل داخل نيوزيلندا وحسب، بل قد يقع في دول غربية، او عربية، ضد أجانب او بعثات دبلوماسية، وعلى الأرجح ان الحادثة لن تمر بهذه البساطة، خصوصا ان الجماعات المتشددة، سترد على أساس الدين، ولن تبحث عن مواطنين من نيوزيلندا بالضرورة.
التحريض ضد المسلمين يستند الى عوامل عديدة، وليس صحيحا ان التحريض سببه ما فعلته جماعات إسلامية متشددة وحسب، بل ان العامل الأهم بث الكراهية ضد الإسلام، من النخب السياسية والإعلامية والبرلمانية في العالم، فوق العامل الثقافي المتعلق بكراهية اللاجئين، إضافة الى العامل الاقتصادي الذي يرى في الوافدين من منطقة مختلفة، تهديدا مباشرا لهوية تلك المجتمعات، بما يزيد قوة الجماعات المتطرفة من تلك الدول، ضد القادمين المسلمين، بهويات مختلفة، ودين مختلف، في بيئات تبدو متسامحة، لكن تكشف بغتة عن تشددها أيضا.
من السهل دوما ادانة المسلمين، والقول انه لولا التطرف الإسلامي لما رأينا هذا المشهد في نيوزيلندا، لكن هذا هروب من المسؤولية، لأن الجماعات الإسلامية المتشددة تبني جاذبيتها في الأساس على فكرة تقول ان دول العالم تضطهد المسلمين، أساسا، وشنت الحروب ضدهم طوال قرون، وقتلت منهم الملايين، وتدعم أنظمة ظالمة، وسرقت ثروات المسلمين وغير ذلك.
معنى الكلام هنا ان تحليل ظاهرة الإرهاب، والإرهاب المضاد، يجب ان تخضع لتحليل منطقي، بدلا من اعتبار المسلمين، وحدهم حاضنة الإرهاب، والأكثر استعدادا له، او حتى السعي لتوريطهم أيضا في حادثة نيوزلندا، عبر اعتبار الحادثة رد فعل على جرائم المسلمين.
برغم ان الدول الأجنبية، منحت المسلمين حقوقا فاقت حقوقهم في دولهم الاصلية، الا ان الفروقات بقيت قائمة، ولو على الصعيد الثقافي المرتبط بالجذر الديني والاجتماعي، فيما احتمالية الذوبان الكامل في المجتمعات الجديدة لا تبدو قائمة، ولا هي مطلوبة أيضا، لأن لكل انسان خصوصيته التي لا يجوز مطالبته بتغييرها، هذا فوق ان دولا كثيرة في العالم، تناست أي جانب مضيء في المسلمين في تلك الدول .
سنرى من اليوم، جنوحا في التفسيرات، في سياقات تريد ان تقول ان القتلة لم يفعلوا ذلك لولا انهم تأثروا بما فعله إسلاميون سابقا، وهذا نفاق عز نظيره، لأن الغاية تحميل المسلمين المسؤولية مجددا، وكأن بقية شعوب العالم لا تخطئ، ولا تتورط في الجرائم أيضا.
بدلا عن هذا السيناريو لا بد ان نقول للعالم ان حادثة نيوزيلندا تثبت ان الاجرام يبقى مربوطا بالافراد، أيا كان دينهم او جنسيتهم، ولا يجوز تعميمه على كل الأمم، وبهذا المعنى فإن البراءة يجب ان تكون شاملة، والادانة حصرية، على عكس ما رأيناه نحن في حالة المسلمين الذين تم ربطهم بالإرهاب دون استثناء، بسبب تصرفات نفر قليل منهم.