احذروا الأغلبية الصامتة!

يبدو الأدق، كما الأكثر فائدة عملياً، القول إن المصريين صوتوا "صمتاً" بكثافة في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية التي أجريت الأسبوع الماضي، بنسبة فاقت 73 % ممن يحق لهم التصويت. وهذه، كما يبدو جلياً، نسبة الممتنعين عن الاقتراع، وليس المقترعين الفعليين في هذه المرحلة، والذين بلغت نسبتهم بحسب الأرقام الرسمية قرابة 27 %.اضافة اعلان
طبعاً، لا يمكن قصر تفسير النتيجة السابقة على غياب الأحزاب والقوى المقاطعة لهذه الانتخابات، أو الممنوع عليها المشاركة، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين بسبب حظرها منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي. فمع أهمية هذا السبب بالتأكيد، يظل صحيحاً في المقابل، أنه حتى في ذروة الحماس للانتخابات، عقب ثورة "25 يناير" 2011 تحديداً، بلغت أعلى نسبة مشاركة حوالي 54 % في انتخابات مجلس الشعب 2011/ 2012، والتي شارك فيها جميع القوى والأحزاب السياسية. بل وفي ذروة المفاضلة ما بين "الثورة" وما يسمى "الفلول"، وتمثلت في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة العام 2012، تراجعت نسبة المشاركة إلى 51.85 %. ولعل هذه الحقيقة الأخيرة تبدو وثيقة الصلة بتفسير ما يجري اليوم.
فإذا كان منطقياً افتراض أن قرابة نصف المصريين كانوا يعبرون بامتناعهم عن التصويت في انتخابات 2012 عن أنه لا "الإخوان" ولا "الفلول" يمثلونهم، فإن لنا أن نفترض الأمر ذاته، إنما بنسبة أكبر بكثير، في الانتخابات التشريعية الحالية. وهنا مكمن الخطر الذي لا بد من التوقف عنده، والذي يتمثل بسؤال: من يمثل الأغلبية الصامتة؛ ليس في مصر وحدها، بل في أغلب الدول العربية التي تمر بظروف شبيهة؟
الإجابة عن ذلك يمكن إيجادها في مصر ذاتها أيضاً، وتحديداً في التظاهرات التي أدت إلى الإطاحة بمرسي في العام 2013. إذ يمكن الجزم، بل ويكاد يكون حقيقة معروفة، أن نسبة غير قليلة من المتظاهرين قد خرجوا ضد مرسي آملين بتصويب الوضع في مصر، وكانوا في الوقت ذاته من الرافضين لعودة عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ سياسات ورموزاً. بعبارة أخرى، يمكن افتراض أن "الأغلبية الصامتة" قد ساهمت بشكل كبير في الإطاحة بمرسي الذي لم يعرها بالاً، كما بدا من سياساته وإن خلال فترة حكم قصيرة.
ومع هذه التجربة، متضافرة مع اتساع حجم هذه "الأغلبية الصامتة" الآن، فإن السؤال الذي يزداد إلحاحاً، ومرة أخرى من دون اقتصاره على مصر: من سيسيطر على "الأغلبية الصامتة"، تعبئة وتوجيهاً، لاسيما مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية في أغلب البلدان العربية؟
مفيد ابتداء، بل وضروري، استحضار حقيقة انخفاض نسبة المشاركة السياسية، ممثلة بالانتخابات العامة، في بلدان ديمقراطية راسخة. لكن فائدة ذلك في نقاش الحالة العربية عموماً، تبدو فقط عبر الإقرار بحقيقة ضعف (أو إضعاف) مؤسسات المجتمع المدني في أغلب الدول العربية، والتي تؤدي دوراً حاسماً في التعويض سلمياً عن تراجع دور الأحزاب في التعبير عن آراء المواطنين ومصالحهم في البلدان الغربية.
بالنتيجة، فإن أغلبية صامتة متزايدة، مع مجتمع مدني غائب أو مغيب، لا يعنيان إلا عنفاً أو حتى إرهاباً أكثر. وهنا أيضاً، يبدو عالمنا العربي أكثر من دليل كاف.