الأكراد الأردنيون

    يتتبع محمد علي الصويركي في كتابه "الأكراد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث"، تاريخ الكرد وحياتهم في الأردن، ويقدم معلومات مفيدة وممتعة عن الأكراد الأردنيين.

اضافة اعلان

    يغلب على الأكراد الأردنيين الاندماج الكامل والتحول إلى العربية، لغة وثقافة وانتماء. وربما يكون هذا أيضا الحال الغالب على الأكراد في معظم المدن والأحياء العربية، ففي بغداد على سبيل المثال، يعيش عدد كبير من الأكراد الذين يعتبرون أنفسهم عربا برغم حداثة عهدهم ببغداد. فالحزب الإسلامي العراقي، على سبيل المثال، أحد أهم الأحزاب العربية السنية في العراق، يرأسه محسن عبدالحميد الأستاذ بجامعة بغداد، والذي ولد في السليمانية وجاء إلى بغداد للدراسة الجامعية.

     بدأ الكرد يتوافدون على الأردن مع الحملة العسكرية لصلاح الدين الأيوبي (كردي)، واستمر توافدهم مع الدولة العثمانية على نحو فردي، للتجارة والعمل أو في وظائف الدولة العثمانية أو طلبا للأمن بعد الثورات الكردية المختلفة.

    وقد شكل الكرد في حملة صلاح الدين الأيوبي محلة في السلط للمرابطة والمعيشة، ومازالت تعرف باسمهم حتى اليوم، وهي حارة الأكراد التي تقوم على السفح الجنوبي الغربي من قلعة السلط. وعندما زار الرحالة السويسري بيركهارت السلط العام 1812 كتب عن مسلمي السلط بأنهم يتألفون من ثلاث عشائر، هي الأكراد، والقطيشات، والعواملة.

     ومن العلماء الأكراد المهمين شهاب الدين بن داوود الكوراني في القرن الرابع عشر الميلادي، الذي عمل بالتدريس والإفتاء والقضاء في السلط، وانتقل أحفاده إلى القدس وعرفوا بكنية أبناء قاضي السلط، ثم عرفت محلة إقامتهم بـ"حارة السلطية".

     وعرف من رجال الإدارة من الأكراد محمد طاهر أفندي بدر خان الذي كان رئيسا لمجلس قضاء السلط في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ومحمد عطاء الله أفندي الأيوبي، قائمقام قضاء السلط العام 1909، ومحمد سعيد شمس الدين، متصرف لواء السلط (1868–1872).

     وكان الأكراد يشكلون نسبة عالية في الجيش والدرك التركي المنتشر في مراكز شرق الأردن، وقد استقر الكثير منهم بالطبع بعد ذلك في الأردن.

     ومن العائلات الكردية في الأردن والتي تحمل أسماء تدل على كرديتها، الأيوبي، زيباري، الكردي وسيدو الكردي، بابان، الرشواني، الشيخاني، جلعو، بدرخان، الكيكي، آل رشي، ظاظا، بكداش، سعدون، هشلمون، القيمري، نيروخ، وغيرهم. والكثير من هجرات الأكراد كان يغلب عليها الفردية أو المجموعات الصغيرة التي زادت مع الزمن، ولم تكن هجرات جماعية كما حدث في العهد الأيوبي، وبعضهم ينسب إلى بلده الأصلي، مثل دياربكرلي، وصويركي، وأروفلي، والمارديني،...

     ومن الشخصيات الكردية المهمة في الدولة الأردنية الحديثة: المرحوم سعد جمعة رئيس الوزراء الأسبق، وعلي سيدو الكردي، وعبدالرحمن الكردي مؤسس أول دار نشر في الأردن، والذي أصدر مجلة الأردن الجديد العام 1950، وخير الدين الزركلي مؤلف كتاب الأعلام. وكان إسماعيل الكردي من رواد الحركة السينمائية في الأردن، وقد أسس سينما دنيا، والبتراء، وزهران في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. وعمل بعض الأكراد في الجيش والأمن، واستشهد عدد منهم في أثناء أداء الواجب، ومن هؤلاء الشهيد الطيار بدر الدين ظاظا. وفي المجال الاقتصادي، كان من بينهم معلى الكردي مؤسس فندق الملك غازي في ثلاثينيات القرن العشرين، والمصرفي حسني سيدو الكردي، وتدير السيدة ملك بدر خان مزرعة رائدة في شمال الأردن مساحتها ألف دونم. وللرياضة عند الأكراد عائلات متخصصة، مثل أبناء درويش مصطفى العشرة الذين احترفوا لعبة كرة الطاولة على مدى أربعة عقود، ومثلوا الأردن في مباريات دولية. وتعود مشاركة بعض الأكراد في كرة القدم إلى العشرينيات، وينسب إلى علي سيدو الكردي أنه أدخل أول دراجة إلى الأردن العام 1920.

    هل الأكراد في الأردن أقلية عرقية أو إثنية؟ يمكن اعتبار الأكراد عربا وأردنيين، نظرا لاندماجهم الكامل في الثقافة والمجتمع، ومشاركتهم الكاملة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في الأردن، بل إن الكثير منهم فقد صلته اللغوية والعرقية مع الكرد. لكن أيضا يمكن اعتبارهم، أو اعتبار جزء منهم، مجموعة فرعية تملك ثقافة عربية أم وتنتمي إليها، مع امتلاكها في الوقت نفسه ثقافة وخصوصية تميزها، وتعبر عن نفسها بجمعية صلاح الدين، والأنشطة الفنية والفولوكلورية الكردية. لكن هذه الخصوصية الثقافية أقل تميزا بكثير من الخصوصية الشركسية على سبيل المثال. وربما يكون من أسباب ذلك أن هجرتهم الجماعية قديمة جدا تقترب من ألف سنة، وأن الهجرات التالية كانت فردية تقريبا، وليست جماعية كما الشركس. كما أن الأكراد في الشرق العربي بعامة، وليس فقط في الأردن، يتعايشون ويتفاعلون مع العرب منذ أكثر من ألف عام، ويشبهونهم كثيرا في لون البشرة وفي العادات والتقاليد أيضا.

    ولا بأس طالما أن الأستاذ الصويركي أورد بعض الحكايات والطرف عن الأكراد أن أقتبس بعضا منها، والتي تذكر على سبيل التندر ببساطتهم وطيبتهم، حتى إن المستشرق والدبلوماسي الروسي باسلي نيكيتين، والذي ألف كتابا مهما عن الكرد، يقول (وهو يتحدث عن العشرينيات والثلاثينيات) إنه: يندر أن تجد كرديا يعمل في التجارة لأنها تتنافي مع طبعهم الواضح والطيب.

    الحكايات التي أوردها الصويركي مقتبسة من كتاب اللهجات والاوابد الأردنية لروكس العزيزي، ومنها أن تاجرا باع القطران لكردي باعتباره دبسا، وبعد أن أكل الخبز مدهونا بالقطران قال للتاجر: لا تقول كردي ما يفهم، والله دبساتك شوية مرين.

     وطلب كردي من مسيحي أن يسلم، فسأله المسيحي ماذا عليه أن يفعل أو يقول حتى يسلم؟ فقال: وأنا والله لا أدري ماذا يجب على المسلم أن يقول.

    ومن الأمثال الشعبية المرتبطة بالكرد: "كردي بجرابه وكل شي بحسابه"، ويضرب في ضرورة التعامل بصدق ووفاء. ويقال عند الطلب من شخص أن يكون شديدا ومنضبطا: "خلي وجهك وجه كردي"، ويقال "عقل كردي" دلالة على الجدية والثبات وعدم قبول أنصاف الحلول.

[email protected]