الضغط النفسي يؤذي الصحة ويهدد العلاقات الأسرية

يُضعف الضغط النفسي مناعة الجسم تجاه مقاومة الأمراض - (أرشيفية)
يُضعف الضغط النفسي مناعة الجسم تجاه مقاومة الأمراض - (أرشيفية)

نورا جبران*

عمان- يتعرض الإنسان في حياته اليومية للمواقف الضاغطة، التي قد ترتبط بالأسرة، أو العمل، أو التفكير في القرارات المستقبلية، أو فقدان شخص عزيز، أو التغير في العمل، أو السكن، والخلافات الأسرية، وحتى مشاجرات الأبناء، والأعمال الروتينية اليومية مثل قيادة السيارة يوميا في فترات الازدحام، وغير ذلك الكثير. والشعور بالضغط والإجهاد هو حالة طبيعية ترافق مواقف الحياة اليومية، وتُحدث تأثيرا في الصحة النفسية والبدنية على حدٍ سواء، وأحيانا لا تكون الضغوط واضحة تماما بالنسبة للإنسان، ولكن تراكمها المستمر يؤدي إلى تأثير كبير، على صحته الجسدية أو النفسية، وعمله، وعلاقاته. اضافة اعلان
يُعرف الضغط النفسي بأنه استجابة الإنسان لشعوره بأنه مستنزف أو مجهد بشكل كبير، أو أنه غير قادر على التعامل مع موقف غير مريح، سواء كان هذا الموقف فقدان شخص عزيز، أو حادث سيارة بسيط جدا، أو خلافا أسريا عابرا.
وتختلف الاستجابة للضغوط من شخص إلى آخر، حيث ترتبط هذه الاستجابة بطبيعة الموقف الضاغط من حيث شدة الموقف، وعدد المواقف الضاغطة؛ حيث يتعرض الإنسان أحيانا لمجموعة مشكلات أو مواقف ضاغطة في آن واحد، والمدة التي يؤثر بها الضغط على الفرد؛ حيث هناك فرق بين المواقف الضاغطة العابرة مثل احتمالية تعرض الإنسان لحادث سير في لحظة معينة، ومواقف يستمر تأثيرها فترة أطول مثل فقدان شخص عزيز.
كما ترتبط الاستجابة للضغط بخصائص الفرد نفسه، من حيث نمط شخصيته، وطاقته وقدرته على تحمل الضغوط، وأفكاره ومهاراته في التعامل مع الضغوط، وتوفر مصادر الدعم (الأسرة، الأصدقاء، الاستقرار الوظيفي، المستشار النفسي)، بالإضافة إلى خبراته السابقة.
أعراض الضغط النفسي
إن تعرض الفرد للضغوط النفسية بشكل متكرر يظهر استجابات متعددة، تؤدي إلى الاحتراق النفسي (Burnout) وقد يترتب على ذلك أثار سلبية مدمرة أحيانا ومهددة لحياة الأفراد وسعادتهم، وتصنف هذه الآثار إلى ما يلي:
المظاهر الجسدية
يُضعف الضغط النفسي مناعة الجسم تجاه مقاومة الأمراض المختلفة، وتتمثل الآثار الجسدية للضغط النفسي في: جفاف الفم والبلعوم، التعب والانحطاط العام، رجفة أو ارتعاش عصبي، سرعة خفقان القلب، إسهال أو إمساك، تكرار الحاجة للتبول، اضطراب المعدة والجهاز الهضمي، ألم الرقبة، ألم أسفل الظهر، ألم أعلى الظهر، نوبات دوار، فقدان أو زيادة الشهية للطعام، ألم في الصدر، تشنج عضلات الجسم، ومظاهر أخرى كالسكري، والربو، والنوبات المتكررة للالتهابات التناسلية، وتحصل المظاهر السابقة نتيجة ضعف جهاز مناعة الجسم بسبب الضغط النفسي، وبالتالي سهولة مهاجمة الأمراض للجسم.
المظاهر النفسية
قام الباحثون بدراسات عديدة لتحديد العلاقة بين الضغط النفسي وأعراضه الانفعالية كالقلق والاكتئاب، والأعراض النفسية والذهنية، وقد أظهرت نتائج تلك الدراسات وجود ارتباط بين مستوى الضغط والاضطرابات الانفعالية، وبينت أن الضغط النفسي قد يسهم أيضا في تفاقم الاضطرابات النفسية، وتتجلى هذه المظاهر في:
* القلق، والاكتئاب الذي قد يكون نتيجة ضغط نفسي مزمن غير معالج، ويشبه بعض أعراض الضغط النفسي كالتغيير في قابلية الطعام، واضطرابات النوم، ونقص القدرة على الاستمتاع بالحياة، إضافة إلى انخفاض مستوى الطاقة، والانسحاب، ومشاعر ضبابية غير واضحة، وشعور بالعجز.
 * الغضب وهو أيضاً من النتائج الانفعالية للضغط النفسي، إذ تؤدي الحاجات غير المشبعة أو غير القابلة للضبط إلى الغضب والنزق وحدة الطبع. وعادة ما يواجه الشخص الآخرين بهذا السلوك عندما يكون مضغوطا نفسيا،لا سيما حين يكون فرد ما هو سبب الضغط النفسي. كما يكون الإنسان عرضة لتغير في المزاج أو الانفعال دون أسباب واضحة، ويشعر بدافع قوي للبكاء، ودافع قوي لإيذاء الآخرين، وشعور بعدم الاستقرار الانفعالي، وفقدان الشعور بالمتعة، والشعور بالقلق والحزن، والخوف من المستقبل والخوف من عدم استحسان الآخرين، ومن الفشل، وصعوبة الاستغراق بالنوم، وضعف الاستمتاع  بالجنس، وقلة الصبر على غير العادة، والشعور بأن الأمور خارجة عن السيطرة، والشعور بفقدان الأمل أو خيبته.
ويتسبب الضغط النفسي في ضعف التركيز، وضعف الذاكرة، والتفكير غير المنطقي، والكوابيس أثناء النوم. كما يتسبب في زيادة الإقبال على العادات غير الصحية كزيادة في التدخين، وزيادة استخدام الأدوية لتخفيف التوتر، واللجوء للنوم كوسيلة للهرب، أو مشاهدة التلفاز، وتكرار زيارة الطبيب لشكاوي صحية؛ إذ يشعر الفرد بأنه لا يستطيع تحديد الألم، بل يشعر بآلام مختلفة كل مرة، وهذا ما يجعله يبحث عن المعالجة الطبية، كي يضيع قضيته الأساسية، ولكنه لا يشعر بتحسن أبدا.
تأثير الضغوط على العلاقة الزوجية:
- شعور الشريك بالرفض والإحباط: إذا كان الضغط الذي يتعرض له الشخص شديدا إلى الحد الذي يمنعه من التواصل الجيد مع الشريك، أو من قضاء وقت كافٍ معه، أو يخفض من قدرة الشخص على الاهتمام بشريكه، فسيؤدي ذلك إلى شعور الشريك بأنه مرفوض، وأن شريكه لم يعد يريد مشاركته أحداث حياته اليومية، وأنه يشعر بالراحة أكثر حين يبقى صامتا، بدلا من التعبير عن ضغوطه ومشكلاته لشريكه.
- تراجع الحميمية في العلاقة: يفقد الناس أحيانا القدرة على التعبير عن المشاعر، أو الرغبة في التعبير عن حميمية العلاقة أو ممارستها، حين يجدون أنفسهم مغمورين بضغوط أو مطالب كثيرة، ويحدث هذا في العلاقات التي لا تشكل فيها الحميمية جزءا مهما أو جاذبا ومُرضيا في العلاقة الزوجية.
- انخفاض مستوى التواصل، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار التي تشغل الإنسان، وذلك بسبب الشعور بالإجهاد، أو عدم القدرة على تجاوز الإنسان الإحباط والاكتئاب الناتج عن شدة الضغوط، أو عن عدم قيامه بأي نشاط يساعده على التغلب على الضغوط.
تأثير الإجهاد والضغوط على العلاقة الوالدية
- تراجع الوقت الذي يقضيه الإنسان مع الأطفال،  نتيجة ضغوط العمل.
- تراجع الوقت المخصص للأنشطة مع الأطفال، وبالتالي تراجع القدرة على معرفة مشكلاتهم وأخبارهم اليومية.
- العصبية أو الانفعال الزائد في التعامل مع الأطفال، أو إهمالهم بسبب شدة الضغوط.
- غياب الرقابة الأسرية، غياب دور الأب أو الأم، مما يعمق الفجوة بين الآباء والأبناء، وربما يجعل الطفل عرضة للانحراف.
التعامل مع الضغوط
أفضل الوسائل في التعامل مع الضغط النفسي:
- مواجهة المشكلة، وتحديد السبب الحقيقي للإجهاد: تمثل مواجهة المشكلة والتعرف لأسبابها الحقيقة المفتاح الأساسي لحل المشكلة، وحل المشكلات يقضي على التوتر المصاحب لها.
- ممارسة الرياضة والهوايات المحببة لدى الإنسان.
- تناول غذاء صحي ومتوازن، فالغذاء الصحي يؤثر في أداء الإنسان ومزاجه.
- المحافظة على حميمية العلاقة مع الشريك، فالعلاقة الحميمة شكل مهم من أشكال التخلص من القلق والتوتر.
- تخصيص مزيد من الوقت للعب والمرح مع الأطفال والأصدقاء، وربما يبدأ بخمس دقائق يوميا ويتطور بشكل تدريجي.
- تحدث إلى شريكك عما تشعر به، وما تعاني منه من مشكلات أو انفعالات، فهو بذلك يعرف ما تعاني منه، وبدلا من أن يكون متعبا أو متذمرا مما يحدث معك، فسيتحول إلى داعم وباحث عن سبُل المساعدة.
- إذا كان الضغط الذي تعاني منه شديدا وغير قابل للتغير من وجهة نظرك، فإنه من الأفضل أن تطلب مساعدة متخصصة، حتى تتمكن من مواجهة ضغوطك والتغلب عليها.

باحثة دراسات اجتماعية ومستشارة لشؤون الأسرة