الطريق للاعتماد على الذات

تهديد الرئيس الأميركي ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت ضد قراره بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل كان له وقع الصدمة على صانعي القرار بالأردن، فهو يأتي في وقت عصيب سياسيا واقتصاديا، فالنيران والحروب الإقليمية تحيط بعمان، والأشقاء الذين كانوا يوفرون دعما اقتصاديا أداروا ظهورهم.اضافة اعلان
قد لا يمضي ترامب بتهديده بقطع الدعم عن الأردن، وهذا ما ترجحه مصادر دبلوماسية أميركية، ويتوقعون ان تستمر المساعدات كما هي، لكن هذه التهديدات أطلقت صافرات الإنذار الداخلية، ودفعت لإطلاق شعار "الاعتماد على الذات".
الشارع الأردني المتعطش للدفاع عن كرامة بلده بعد الموقف المشهود في الدفاع عن عروبة القدس، مستعد للتعامل مع الظروف السياسية والاقتصادية التي تنتظره في 2018، وجاهز لدعم بلده مهما كانت التضحيات، ويتمنى ان يصل الأردن لحد الاكتفاء والاستغناء عن المساعدات، فهذه أولى الخطوات الضرورية لتجنب الضغوط الخارجية. لكن السؤال الذي لم نسمع اجابته، ما هي خارطة الطريق التي ستتبعها حكومتنا للاعتماد على الذات؟!
حتى الآن لا تقدم الحكومة حلولا خلاقة خارج الصندوق، وهي تلجأ لأقصر الطرق لدعم موازنة الدولة بزيادة الضرائب ورفع الأسعار، وهذه خطوات قصيرة المدى، وتقود لمسالك مغلقة، فما يمكن جبايته اليوم لن يكون مستمرا، ويؤدي في نهاية المطاف لتزايد اعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، ويعمق الأزمات الاجتماعية الداخلية، ولن ينهي العجز المالي، والمديونية المتزايدة عاماً إثر عام، ولا يحقق تنمية.
أولى الخطوات المطلوبة حكومة قادرة على تحمل المسؤولية، وقادرة على استعادة ثقة المواطنين وتوحيدهم خلف مشروع وطني اقتصادي للاعتماد على الذات، وهذا يتطلب وزراء سياسيين وتكنوقراط قادرين على اتخاذ القرار والدفاع عنه، وبالطبع المسار الاقتصادي مرتبط بمسار اصلاح سياسي.
لا يمكن ان نبدأ دون احترام لسيادة القانون، ووقف سياسات التنفيع. ولا يمكن للمشروع الاقتصادي الوطني ان ينهض ومؤشرات الفساد تتعاظم، والتهرب الضريبي قائم، ولا يلتزم بدفع الضريبة الا الموظفون، في حين ان شركات كبرى وأصحاب ثروات لا يدفعون ضريبة تصاعدية تتناسب مع ما يجنون من أرباح.
وبالتأكيد فإن النهوض بالاقتصاد الوطني يتطلب تعظيم الصادرات وتقليص الواردات، ما يخفض العجز في ميزان المدفوعات، وبهذا الاتجاه فإن تنمية الصناعة الوطنية وتعظيم جودتها خطوة ضرورية، وتحقيق هذا الأمر لا يتحقق بالرغبات والأمنيات، بل بعمل جاد. دققوا في عدد أصحاب المشاريع الأردنيين قبل العرب والأجانب الذين تركوا الأردن ونقلوا مصانعهم واستثماراتهم لبلدان في الإقليم بسبب البيروقراطية الحكومية أحياناً، والفساد أحيانا أخرى أو ارتفاع سعر الفائدة لتمويل المشاريع الإنتاجية.
مطلوب الآن أن نشجع المستثمرين لا ان نظل نتحدث عن نافذة استثمارية واحدة لم تحقق نجاحا، أو تأسيس وزارة للاستثمار. لم تعد بيئة بلادنا جاذبة استثمارياً حين تصبح فاتورة الكهرباء بالآلاف، والضرائب في تصاعد، وحتى فكرة منح جوازات سفر للمستثمرين أو جنسيات نصاب بالرهاب منها في حين تفعلها دول عريقة.
ما تزال لدينا فرص واعدة يمكن البناء عليها مثل السياحة العلاجية بتخفيف القيود على الجنسيات المقيدة، والتشدد في ملاحقة سماسرة العلاج الذين انتشروا وأساءوا لصورة الأردن ولسمعة أطبائه ومستشفياته، وفي هذا السياق لدينا فرص للسياحة الدينية دون المبالغة في الهواجس الأمنية.
أكثر ما نحتاجه مراجعة سياساتنا وتحالفاتنا، فالأردن مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى ببناء شبكة علاقاته وتحالفاته استنادا لمقتضيات مصالحه الاقتصادية، وعلى هذا الأساس نطور علاقاتنا السياسية ونفتح اسواقا قديمة أغلقت، او اسواقا جديدة لم نصلها من قبل، واهم سوق لنا السوق الفلسطيني فهو شبيه لنا وهو مسَيطر عليه اسرائيليا.
كثيرة هي الأفكار بدءا من تشجيع السياحة الداخلية، فالأردنيين يدفعون مليارات على سفرهم بالخارج، انتقالا الى تحفيز المغتربين الذين يخاف بعضهم من الاستثمار لأنهم يرون مشاريع تذوي وتموت، وليس انتهاء بتحفيز مشاركة النساء الخجولة بالاقتصاد، والشباب الذين نتحدث عنهم، ولا نضع سياسات اقتصادية لإطلاق طاقاتهم، سواء بمشاريع صغيرة او بتعزيز مهاراتهم لتتواءم مع احتياجات السوق.
نعم يريد الأردنيون الاعتماد على الذات، فكيف نصنع ذلك، ومن يعلق الجرس؟!