العدوى بفيروسات "الهربس" تستمر مدى الحياة

العدوى بفيروسات "الهربس" تستمر مدى الحياة
العدوى بفيروسات "الهربس" تستمر مدى الحياة

عمّان- تعتبر فيروسات الهربس "Herpes" من أكثر الفيروسات انتشاراً بين البشر، وفي الغالب لا يوجد إنسان لا يصاب مرة واحدة على الأقل بعدوى أحد فيروسات الهربس أثناء حياته، وبعض أنواعها سريعة العدوى من شخص الى آخر، وتسبب أمراضاً مؤلمة جداً ومزمنة للمريض.

اضافة اعلان

هناك ثمانية أنواع من فيروسات الهربس، وكل نوع منها يسبب شكلا مميزا من الأعراض والعلامات المرضية الخاصة به.

ومن أكثر فيروسات الهربس انتشاراً بين البشر، فيروس الهربس البسيط، وهذا الفيروس يشمل النمطين الأساسيين 1 و 2 ، وكلاهما متشابهان إلى حد كبير في الخصائص الوراثية والحيوية. 

فيروس الهربس الفموي (نمط1-)

تبدأ العدوى عادة بهذا الصنف منذ أيام الطفولة الأولى، حينما يصاب الطفل الرضيع أو الصغير عن طريق إفرازات الجهاز التنفسي لشخص آخر حامل أو مصاب بالفيروس، بخاصة عن طريق التقبيل وانتقال إفرازات الفم وملامسة الأيدي الملوثة، ويموت الفيروس بسرعة فائقة خارج جسم الإنسان. ويعتقد أن نسبة انتشار الفيروس الفموي تصل الى 80-100% بين الأطفال عالميا.

الأعراض المرضية

تظهر أعراض العدوى بالهربس الفموي عند الطفل بصورة غير مميزة،  وبشكل قرحات حمراء غير ملتهبة (باردة) تنتشر في الأنسجة المخاطية للثة والفم، وتمتد أحيانا الى الشفتين وأطرافهما، كما ويلاحظ أن الطفل يصبح قليل النشاط ويعاني من حمى خفيفة وصعوبة بالأكل، وغالبا تجف القرحات وتختفي خلال أسبوعين.

وفي معظم حالات العدوى يكمن فيروس الهربس الفموي بعد ذلك في عقد العصب الثلاثي التوائم الذي يربط بين الوجه ومركز الدماغ. ولأسباب

ماتزال مجهولة ينشط الفيروس بين فترة وأخرى تمتد من شهر الى عدة أعوام عند بعض المصابين، ما يؤدي الى تكرار ظهور القرحات داخل الفم وعلى الشفاه.

وهناك عدة عوامل تساعد على عودة نشاط الفيروس الكامن، ومنها، العمليات الجراحية والحمى العالية والبرودة والزكام والإنفلونزا او التعرض لأشعة الشمس القوية والعلاجات بالأشعة وغيرها.

ونادرا ما ينتشر فيروس الهربس الفموي من موقعه في الفم الى مواقع أخرى في الجسم، وبخاصة الى الدم والجهاز العصبي المركزي مسببا التهاب السحايا والدماغ الخطير. وفي حالات نادرة قد يصيب الفيروس غشاء العين ويسبب التهابا حاداً وخطيرا في بؤبؤ العين، وأحيانا يصاب أطباء الاسنان والعاملين في رعاية المرضى بآفة هربس الجلد المؤلمة في اليد أو في أحد الأصابع ( Herpetic whitlow ). ونادرا ما يسبب فيروس الهربس الفموي آفات وتقرحات بالجلد والأغشية المخاطية للأعضاء التناسلية تشبه ما يفعله فيروس هربس التناسلي.

 فيروس الهربس التناسلي (نمط- 2)

ينتشر في الغالب عن طريق الاتصال الجنسي، ولا توجد أرقام دقيقة عن مدى انتشاره في معظم بلدان العالم، ومع ذلك هناك دراسات وبائية تشير إلى زيادة مستمرة بعدد حالات العدوى بهذا الفيروس في عدد من البلدان المتقدمة خلال الأعوام الأخيرة، بخاصة في المجتمعات التي تنتشر فيها العلاقات الجنسية غير الشرعية ويكثر فيها الشاذون جنسياً. وتبين المعلومات القليلة المتوفرة بأن حالات فيروس الهربس التناسلي ما تزال محدودة في معظم البلدان العربية.

تنتقل العدوى بالهربـس التناسلـي بسهولة من شخص لآخر أثناء وجود الآفات والقرحات عن طريق الاتصال المباشر وبين الأم المصابة والجنين وبخاصة عند الولادة أو بعدها مباشرة. وتحدث العدوى تلفا خطيرا في دماغ الطفل أو في عينه وجلده، ولذلك ينصح القيام بعملية الولادة القيصرية لأي امرأة حامـل مصابـة بقرحات الفيروس.

وتشير بعض الأبحاث بأن فيروس الهربس التناسلي له دور مهم في تكوين سرطان عنق الرحم.

الأعراض المرضية

خلال فترة حضانة لا تزيد عادة على أسبوعين، يسبب الفيروس آفات أو طفحاً مؤلماً مصحوباً بحكة وتضخم بالعقد اللمفاوية للأعضاء التناسلية الخارجية. وتتحول الآفات إلى تقرحات. وقد ينتشر الفيروس إلى أماكن مختلفة من الجسم مثل الأغشية المخاطية في الفم، والشرج وعنق الرحم. كما يلاحظ عند النساء وبنسبة لا تقل عن الثلث أعراض التهابات السحايا والمجاري البولية غير القيحية، إضافة إلى خروج افرازات مهبلية.

ومن المعروف جيداً بأن العدوى مرة واحدة بهذا الفيروس تؤدي إلى إصابة دائمة مدى الحياة، حيث يبقى الفيروس كامنا في بعض العقد العصبية الموجودة في الأنسجة الجلدية والمخاطية، وينشط الفيروس بين فترة وأخرى مسبباً تكرار التقرحات الجلدية والمخاطية التي تظهر وتختفي بين فترة وأخرى ومن دون أن تترك لها أي أثر.

ومما يذكر أن أعراض المرض السريرية تظهر فقط على نسبة مئوية قليلة من المصابين، وأما غالبية المصابين فلا تظهر عليهم أعراض المرض السريرية بوضوح، ويصبحون ناقلين صامتين للعدوى بالفيروس، وبعض المصابين تصبح عندهم مناعة مكتسبة ضد تكرار ظهور المرض.

التشخيـص والمعالجـة

يتم تشخيص العدوى بالهربس الفموي أو التناسلي حسب مظاهر الآفات والقرحات المميزة في الأنسجة المخاطية، ولا ضرورة لإجراء فحوصات مخبرية في الحالات العادية.  ويتوفر حاليا في الأسواق عدة أدوية فعالة تستعمل بشكل مرهم موضعي أو بالفم أو عن طريق الوريد حسب الحالة المرضية، ويجب أن يتم استعمال الدواء في مراحل المرض الأولية، وذلك لمنع حدوث تقرحات مؤلمة ومضاعفات المرض.

المناعـة والوقايـة

يطور جسم الشخص الذي يصاب لأول مرة بعدوى أحد فيروسات الهربس مناعة نوعية موجهة فقط ضد النوع المسبب للمرض، ومع ذلك لا تمنع هذه المناعة المكتسبة من عودة نشاط الفيروس، وتكرار ظهور القرحات والمضاعفات عند عدد من المصابين طوال حياتهم.

ويجري حاليا استعمال لقاح تجريبي ضد الهربس التناسلي في عدد من البلدان، وتدل النتائج الأولية بأن هذا اللقاح لا يوفر مناعة كاملة ضد العدوى بالفيروس وعند جميع المطعمين.

الدكتور عاصم الشهابي

استاذ الميكروبات الطبية بالجامعة الأردنية