الكذب: سلاح الأطفال للحصول على رغباتهم أو للهروب من المآزق

مها الصمادي

عمان- أساليب متنوعة، وطرق ملتوية، يلجأ لها الأطفال، للحصول على مآربهم، أو للتنصل من المآزق التي تعترضهم، ومن أهم تلك الطرق الكذب.اضافة اعلان
وحتى لا يصبح الكذب عادة بغيضة ملاصقة للطفل تكبر معه، لتطبع نمط حياته، على الأهل معالجة المشكلة ومعرفة كيفية التعامل معها.
"الأهل هم القدوة الحسنة لأبنائهم"، بحسب أم الطفلة ورقاء الكردي التي تشدد على ضرورة تعويد الطفل على المصارحة وألا يخاف من قول الحقيقة مهما أخطأ؛ لأن اندفاع الطفل للكذب في بعض الأحيان ينتج عن خوفه من الضرب والعقاب.
وتضيف "يجب أن نزرع بالطفل المفاهيم الأخلاقية والدينية ونناقش معه السبب الذي دعاه للكذب، ونخبره بانه ان اعترف بخطئه لن يعاقب"، مشيرة إلى أن عقاب الطفل في كثير من الأحيان "أسلوب غير مجد ووسيلة مضللة لتعديل سلوك الكذب".
للكذب أسباب عند الأطفال، وفق معلمة تربية الطفل رواد الصمادي التي تبين أن أهمها جلب الانتباه عندما يتحدث الطفل مع والديه، فإنه يحتاج لمزيد من الاهتمام والاصغاء كي لا يشعر الطفل بأن والديه يتجاهلانه فيحاول أن يحجز مكاناً لشخصيته، فضلا عن شعور الطفل من أن تصرفاته قد تعرضه للعقاب لاسيما عندما يصيب أحد أخوته بالأذى، أو عندما يكسر غرضا ما في البيت فيسارع إلى إنكار الحقيقة.
وتنصح الصمادي الوالدين أن يضعا عواقب محددة لكذب الطفل، ويفضل وضعها وتوضيحها له قبل إيقاع العقاب، وقبل حدوث الكذب نفسه، ويجب أن يكون العقاب على قدر الكذبة ومناسباً لسن الطفل، وأنجع الوسائل للتخلص من الكذب، بحسب الصمادي، حرمان الطفل أو إلغاء شيء يحبه، أما الضرب لاسيما الضرب المبرّح فليس طريقة ناجحة لمعالجة المشكلة.
من جانبها تقول اختصاصية علم النفس التربوي الدكتورة إيمان البوريني إن الكذب ينشأ غالباً بسبب "عدم الثقة بالآباء والأمهات لكثرة العقوبات التي يفرضونها على أبنائهم"، أو نتيجة "أساليب القسوة والعنف المستعملة ضد الأطفال في البيت، ما يضطرهم إلى الكذب لتفادي العقاب"، منوهة إلى أن هذا النوع من الكذب "شائع بشكل عام في البيت والمدرسة"، فعندما يعطي المعلم لطلابه واجباً بيتيا فوق طاقتهم ويعجز البعض عن إنجازه يلجأون إلى اختلاق مختلف الحجج والذرائع والأكاذيب لتبرير عدم إنجازهم للواجب، وكثيراً ما يقوم قسم من التلاميذ بتحوير درجاتهم من الرسوب إلى النجاح في الشهادات المدرسية خوفاً من ذويهم.
ويتطلب علاج هذا النوع من الكذب، وفق البوريني "نبذ الأهل والمعلمين للأساليب القسرية في تعاملهم مع أبنائهم بصورة خاصة، ومع الآخرين بصورة عامة، كي لا نضطرهم إلى سلوك هذا السبيل".
غير أن معلمة صعوبات التعلم رندة جميل ترى أن سعة الخيال التي يتمتع بها الصغار تدفعهم لابتداع مواقف وقصص لا تنسحب على أرض الواقع، وانها أمور يلقفها الطفل حتى يجد نفسه بين الآخرين ولا يتجاهله من حوله، من جهة، ورغبة في تحقيق مكانته من جهة أخرى، فيشعر الطفل انه حقق ذاته ويسمى هذا النوع من الكذب بـ "الخيالي"، ويبدأ هذا النوع من الكذب بسن السادسة، حيث يبدأ الطفل بالتمييز بين الخيال والحقيقة.
وتتابع رندة في هذا العمر يعي الطفل أيضاً أن بعض تصرفاته ستسبب خيبة أمل لوالديه أو ستسبب غضباً وعقاباً منهما ويكون أيضاً قد نما عنده الإحساس بالذنب نتيجة ارتكاب الأخطاء، وفي حوالي السابعة أو الثامنة من عمره يدرك تماماً الفرق بين الحقيقة والخيال ويدرك أيضاً أن كذبه في بعض المواقف قد يغير أمراً جسيماً، وقد يعتمد عليه للبحث عن حقيقة ما.
"الطفل يلجأ للكذب عن غير قصد عندما تلتبس عليه الحقيقة ولا تساعده ذاكرته على سرد التفاصيل فيحذف بعضها ويضيف الآخر بما يناسب إمكاناته العقلية"، كما تقول رندة التي تسمي هذا النوع من الكذب بـ "كذب الالتباس" الذي يزول من تلقاء نفسه عندما تصل الإمكانات العقلية للطفل الى مستوى يمكنه من إدراك التفاصيل وتذكر تسلسل الأحداث ولا يعني هذا الكذب "انحرافا في السلوك".
وتنوه رندة إلى أهمية دور الأهل في تنشئة طفل يكذب من خلال معايشته مع والديه حيث يقلدون الآباء والأمهات الذين يكذب بعضهم على بعض على مرأى ومسمع منهم، أو يمارس الوالدان الكذب على الأبناء، كأن يعدوا أطفالهم بشراء هدية ما، أو لعبة ما، فلا يوفون بوعودهم فيشعرون بأن ذويهم يمارسون الكذب عليهم، فيتعلمون منهم هذه الصفة، وتترسخ لديهم هذه العادة بمرور الوقت.
وتنصح رندة الأهل أن يتحدثوا مع الطفل عن أهمية الصدق وإخباره عما يعود عليه الصدق في حياته، والتكلم معه بلغة يفهمها وكلمات يستوعبها، وأن الصدق يجعل منه شخصا محبوبا بين الناس ومحل ثقة الآخرين، ولتعزيز ذلك يمكن قص حكاية بأسلوب شيق يحكي عن فوائد الصدق، أو مشاهدة فيلم أو برنامج تلفزيوني يوثق لنهاية الكذب الوخيمة.
المربية بسمة يونس تنصح الأهل عندما يكذب الطفل بعدم تضخيم الأمر أو إعطائه حجماً كبيراً، بل "انظر إليه بجدية وقل له إنه من الخطأ أن نكذب وعلينا دائماً أن نقول الحقيقة"، مضيفة "قد يكون من المناسب أن تعبر لطفلك كم تكون أنت سعيداً عندما يقول ابنك الصدق، وأن عدم قول الصدق يجعلك غير مرتاح أبداً".
وتشدد يونس على أن تنتبه الأم إلى كذب الطفل، وأن تحدد سبب كذبه "فمعرفة سبب الكذب أهم من الكذب بحد ذاته"، عازية ذلك لـ "إننا عند بحثنا عن محرك الكذب وسببه سنكتشف خلفيات الموضوع وسندرك تفاصيل مهمة تتحكم في سلوك أبنائنا، وعندها سنستطيع حل مشكلة الكذب".

life@alghad .jo