اللهجات "المحكية" في برامج الكرتون تغيب اللغة الفصحى

تغريد السعايدة

عمان- استهجنت إيمان عيد خلال جلوسها مع أطفالها لحضور مسلسل تلفزيوني "كرتوني" للأطفال، من اللغة التي يتم فيها دبلجة برامج الكرتون باللغة العربية العامية "المحكية"، سواء اللهجة المصرية أو الخليجية، والتي لم تكن تشاهدها منذ سنواتٍ مضت وفي أيام طفولتها.اضافة اعلان
وتعتقد عيد أن أطفالها وهم في المرحلة الابتدائية، يتابعون تلك البرامج بكل انتباه، وهم بالتالي يتأثرون مع الوقت باللغة العامية المحكية، ويتناسون تماماً اللغة العربية الفصحى التي "اعتدنا عليها منذ الطفولة" في برامج الأطفال والمسلسلات الكرتونية، وخاصة التي تعد روايات تم تحوليها لبرامج كرتون.
وعيد من ضمن فئة كبيرة من الأهالي الذين اعتاد أبناؤهم على حضور البرامج التلفزيونية الخاصة بالأطفال، وعلى قنوات مختلفة عدة، ولكن أغلبها تقوم بعرض برامج باللغة العامية واللهجات المختلفة التي يصدر منها الترجمة، لذلك ترى أنه من المستحيل أن يتم تغيير هذا النهج الذي تتبعه شركات الإنتاج في ترجمة ودبلجة برامج الأطفال، إلا أنها تتمنى أن تكون في معظمها باللغة العربية الفصحى كونها تنمي الحس الغوي لديهم وتسهم في المحافظة عليها.
وتشاطر أم فراس الرأي ذاته، وتقول "في السابق لم نكن نشاهد برامج أطفال بالعامية وكنا نقلد الكلام باللغة العربية الفصحى"، إلا أن بعض البرامج الآن، وليس جميعها، مدبلجة باللهجة العامية، والتي أغلبها إما مصرية أو خليجية، أو حتى لبنانية.
لذا، تعتقد أم فراس أن هذه الطريقة تسهم في "تشتت أبناء هذا الجيل ما بين لهجتهم الأردنية العادية أو اللهجات الأخرى واللغة العربية الأم"، خاصة بعد أن لاحظت أن ابنها يطلق بعض العبارات باللهجة المصرية، من خلال متابعته لإحدى القنوات التي تبث مثل تلك البرامج.
الناشط في دعم اللغة العربية وحوسبتها واستخدامها ومؤسس موقعي "مقولة" Maqola.org و"أعجوبة" ojuba.org كفاح عيسى، يرى أن اللغة العربية الفُصحى هي الأقرب لعقل الطفل وهي منضبطة أكثر من اللهجة العامية، ويعتقد أن الدبلجة إلى اللغة العامية "سيئة" مقارنة بالفصيحة الجميلة، وثانيا جمهورها محدود في القطر الذي يتحدث تلك اللهجة.
ومن خلال تجربته الشخصية، يرى عيسى أن أطفاله أخذوا يتحدثون العربية الفصيحة بدون أي جهد من طرفه وجرى ذلك فقط من خلال متابعتهم لبرامج الأطفال بالفصحى، مشيراً إلى أن الفصيحة مفهومة تماما من قبل الصغار قبل الكبار وفي أقطار الوطن العربي كافة مع اختلاف اللهجات.
ويردف عيسى بالقول إنه لم يجد لا صغيرا ولا كبيرا يتثاقل أو لا يفهم الفصيحة، ولكن في حالة اللهجة المحلية (العامية) الوضع مختلف تماما، فالمسلسلات الشامية مثلا لا يتذوقها أو يفهمها أهل المغرب العربي أو الخليج أو مصر والسودان، وكذلك الحال إذا ما كان العمل باللهجة التونسية مثلا.
وتجارياً يؤكد عيسى أنه من ناحية الاستثمار في إنتاج ودبلجة الأعمال الفيلمية (مثل الرسوم المتحركة) يكون الاستثمار في الدبلجة إلى العربية الفصيحة أكثر جدوى (من الناحية التجارية والوصول إلى الجمهور العربي الأوسع)، وقد يقول البعض إن الأفلام المدبلجة إلى الفصيحة ليست قريبة إلى القلب مثل المدبلجة بالعامية، وهذا صحيح في بعض الأعمال وسببه رداءة جودة الدبلجة سواء من حيث الصياغة اللغوية أو الأداء الصوتي.
ولذلك يدعو عيسى بأن "لا نشتت الجهود وأن لا نزيد الهوة بين أبناء الوطن العربي من خلال التأكيد والالتزام باستخدام العربية الفصيحة"، مشيراً إلى أن بعض قنوات الأطفال مثل "ج" و"براعم" "كان لها أثر طيبا في مجال اللغة العربية الفصحى، ولكنها مع الأسف تحولت الآن إلى قنوات مشفرة ومدفوعة"، وما نجاحها إلا دليل قاطع على نجاح التقديم باللغة الفصيحة حتى لسن مبكرة.
مدرسة اللغة العربية والمتخصصة في الأدب العربي في دراستها الجامعية انتصار رزق، تؤكد بالفعل أن هذه الطريقة في الترجمة والدبلجة تسهم بشكل كبير في أن يكون لدى الطفل اعتقاد جازم بأن هذه هي اللغة الأصلية التي يتكلمها، وتعني العامية. ومن خلال تدريسها لطلاب من مختلف المستويات المدرسية تعتقد بأنه بدا واضحاً عليهم التأثر من خلال الصعوبة التي يجدونها في تعلم وتلقين اللغة العربية في المدرسة.
وتنفي رزق تبرير بعض الجهات المخالفة بالرأي من أن هذه الطريقة تسهم بشكل كبير في تسهيل الكلام واللغة على الأطفال؛ إذ تعمل بشكل معاكس كونها تنفي اللغة العربية من قاموسهم اللغوي، ولا يتحدثونها إلا عند قراءة الدروس المدرسية وإن كان ولا بد من ذلك، فيجب أن يكون هناك استخدام للغة العربية الفصحى المُبسطة التي هي مماثلة للغة العربية الفصحى "الأصلية" ولكنها تتسم بالسهولة واختيار مصطلحات بسيطة ومفهومة لدى الأطفال في مراحل التعلم الأولى في حياتهم.
وتردف رزق بالقول إنها تلاحظ "اللغة الركيكة" عند الطلاب وتحاول جاهدة أن يكون هناك تكثيف للغة العربية الفصحى في حياتهم اليومية حتى لو من خلال بعض البرامج القديمة التي يتم بثها باللغة العربية الفصحى السليمة، وتعتقد أن إهمال الأهل من هذه الناحية يظهر جلياً من خلال عدم معرفة الأطفال بمبادئ اللغة العربية حتى في دروسهم المدرسية.
ولا تنسى أم عبد الله ابنتها قبل سنوات عدة عندما كانت تبلغ من العمر خمس سنوات كيف أنها كانت تتحدث معها ومع المحيطين باللغة العربية الفُصحى، من خلال متابعتها لبرامج الكرتون التي كانت تخاطب الطفل بلغة بسيطة ومفهومة، إلا أنها الآن وبعد مرور سنوات ترى الفرق بين أبنائها من خلال اختلاف الثقافة لدى ابنتها الصغرى ذات الأربع سنوات التي تشاهد برامج الأطفال الجديدة والتي تُقدم للأطفال بطريقة "لافتة ومحببة لهم"، ولكنها باللغة العربية المحكية، والتي تحاول ابنتها دائماً أن تكرر تلك الكلمات وخاصة المصرية منها.
وتبين أم عبد الله أن تعلق الأطفال بالبرامج التلفزيونية وخاصة مسلسلات الكرتون يجعل من الصعوبة على الأهل أن يسهموا في تغيير النمط على الأطفال، بل إن الكثير من أولياء الأمور يعتقدون أن هذه الطريقة تلفت الانتباه وتجعل الأطفال يشاهدون التلفاز لساعات في برامج مسلية.
من جهته، يرى العضو في رابطة الأدب العربي ومدير سابق لمجلة الفرقان الثقافية والاجتماعية أحمد أبو عمر، أن الإنسان والطفل تحديداً يكبر ويتكلم على ما يتعود عليه لسانه، وهذه نظرية معروفة، لذلك قد يجد الطفل الذي لا يملك مخزونا كافيا من المصطلحات العربية الفصحى صعوبة بالغة في تقويم لسانه وفي قراءتها وممارستها حتى في دروسه المدرسية، وخاصة إذا تزامن ذلك مع غياب أسلوب جديد للمدرسين في إيصال المعلومة.
وما يحذر منه أبو عمر هو وجود فجوة كبيرة بين الطفل ولغته الأم فيما بعد، خاصة مع "إعجاب" المجتمع باللغة "الإنجليزية" والحرص على تعليمها لأبنائهم لتبادل الحديث مع الآخرين، و"تجاهل" اللغة العربية في كثير من الأحيان، والنتائج السلبية لهذا الأمر فيما بعد.
وفيما يتعلق بالدبلجة باللغة العامية المحكية، يتفق أبو عمر مع عيسى في أن هذه الطريقة تسهم في تشتت الأطفال وتجعلهم غير قادرين على استيعاب الكثير من الأبجديات في الحياة، خاصة وأن اللغة العربية تدخل في مجالات التعليم كافة وبإمكانها كلغة أن تواكب العصر والتكنولوجيا من خلال مصطلحاتها البسيطة.
ويختم أبو عمر بالقول إن اللغة العربية "الفصحى" والتمسك بها في البرامج الموجهة للأطفال تسهم في تشكيل شخصية الطفل الذي يعتد بلغته ويسعى للمحافظة عليها كونها جزءا من شخصيته وانتمائه وجذوره.