المحاصيل الإستراتيجية.. الاكتفاء الذاتي يحتاج خطة طوارئ

جانب من عملية تجميع حصاد القمح في أحد الحقول-(أرشيفية)
جانب من عملية تجميع حصاد القمح في أحد الحقول-(أرشيفية)

عبد الله الربيحات

عمان - يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقمح والشعير والذرة، هدفا رئيسا لكل دولة، إذ ليس سهلا تحقيقه، ولكنه ليس مستحيلا، وفق خبراء في القطاع الزراعي، أكدوا أن ذلك يحتاج إلى "تضافر" جهود القطاعين العام والخاص، وإن كان يقع على عاتق الحكومة، المسؤولية الأكبر لتحقيق ذلك، لأنها مُطالبة بإعطاء هذا القطاع ما يستحقه من أهمية، ووضعه على رأس أولوياتها.

اضافة اعلان


وفيما أشاروا في تصاريح مُنفصلة لـ"الغد"، إلى وجود فجوة كبيرة في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية التي يستورد الأردن بين 90 % إلى 95 % منها، قالوا إن انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى مواطنين، يؤثر أيضًا على زيادة الطلب عليها.
وأكدوا "أنه كان من الأولى للدولة، أن يكون لديها خطة طوارئ، وحركة استجابة سريعة، كتخفيف الكميات المستوردة من القمح والشعير، إذ تستورد المملكة سنويا نحو 900 الف طن، بينما يُنتج فقط حوالي 20 ألف طن".


وأوضحوا أن استغلال الأراضي الزراعية المروية، والتي تبلغ مساحتها نحو 2.5 مليون دونم، "ممكن، وذلك بالتزامن مع إصدار تشريعات طارئة، تتضمن استغلال 30 % من كل مساحة زراعية في مختلف مناطق المملكة".


ولتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، قال الخبراء، إن ذلك يتطلب وضع استراتيجية عن طريق مجموعة إجراءات، أهمها: دعم مزارعي المحاصيل الحقلية، اهتمام الحكومة بقطاع الزراعة، زيادة المخصصات للبحوث والتطوير، إدخال التكنولوجيا الحديثة، استنباط أصناف جديدة وفيــرة الإنتاج لمحاصيل حولية ومعمـرة كالقمح والشعير والـذرة الرفيعـة، وتوفير الآلات الزراعية الخفيفة والحديثة للحفاظ على خصوبة التربة، وتشجيع إقامة المشاريع الزراعية المشتركة بين القطاعين.


الخبير الزراعي الدكتور عزت العجالين، قال إن إنتاج المحاصيل الزراعية، ومن ضمنها الاستراتيجية، يقع كليا على عاتق القطاع الخاص (المزارعين) والمستثمرين في هذا المجال.


وأضاف العجالين، الذي شغل سابقًا منصب مساعد أمين عام وزارة الزراعة، أن الحكومة معنية بدعم إنتاج هذه المحاصيل، عن طريق برامج محفزة، كدعم إنتاج القمح والشعير، الذي تقدمه للمزارعين سنويا، مضيفا "برغم الدعم المذكور، لكن الإنتاج المحلي من الحبوب ما يزال قليلًا جدًا، ولا يكاد يغطي أكثر من 10 أيام من الاحتياجات السنوية للمملكة".


وأكد أهمية الاستمرار في دعم وتوجيه المزارعين والمستثمرين في هذا المجال، وإيجاد الوسائل والأدوات المناسبة لذلك، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن شح المياه "يبقى العائق الرئيس الذي يحول دون التوسع بزراعة المحاصيل الاستراتيجية، ويجعل خيار المزارعين التوجه إلى زراعات أخرى، أكثر جدوى".


مساعد الأمين العام الأسبق في الوزارة المهندس جمال البطش، قال إنه نظــراً للتوقعــات بوصــول عــدد سـكان العالم إلى 9.7 مليـار نســمة بحلـول العـام 2050، فإنه لا بـد مـن خضوع الإنتاج الزراعـي والغذائي إلى تغييـرات ملحوظـة، تمكـن مــن تلبيــة الطلــب المتزايــد على المحاصيل الحقلية والغذائية.


واضاف انه من الضــروري تنويــع المحاصيــل، التــي تشــكل العمــود الفقــري للأمــن الغذائــي، سيما الاستراتيجية، مبينا أن تنويع هذه المحاصيل، كاســتخدام محاصيــل غيــر مســتثمرة بالشــكل المطلـوب، يجــب أن يكــون جــزءاً غيــر منفصــل عــن الإنتــاج المســتدام لها فــي البيئــات الهامشــية وســط التغيرات المناخية التي نشهدها.


وبين البطش أن قضية تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، هدف رئيس لكل دولة، لكن تحقيقه ليس سهلا، إذ يحتاج لتضافر الجهود، وفي مقدمتها إعطاء القطاع الزراعي ما يستحقه من أهمية ضمن جدول أولويات الحكومة.


ويُقصد بتحقيق الاكتفاء الذاتي، أن تعتمد البلاد على إمكاناتها الخاصة للحصول على احتياجاتها من السلع الاستهلاكية والاستثمارية، للتقليل من مستوى التبعية السياسية والاقتصادية للدول الأخرى، وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية في قراراتها ومواقفها الدولية والداخلية، وهذا طبعا لا يعني، وقف أو قطع التبادل التجاري مع الدول الأخرى، بل إعداد وتأمين شروط وظروف داخلية وطنية، تحقق ربحية أعلى للتبادل الاقتصادي، رغبة بزيادة الإنتاج المحلي كما ونوعا.


واشار البطش إلى وجود فجوة كبيرة جدا في انتاج المحاصيل الاستراتيجية، تجعله يستورد بين 90 % الى 95 % من هذه المحاصيل، وهو ما يصعب الوصول إلى مستوى الاكتفاء الذاتي، كما ان انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى مواطنين، يؤثر أيضا على زيادة الطلب على هذه المحاصيل، وتقليل مستويات اكتفائها الذاتي.


ولتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، بين البطش أن ذلك يتطلب وضع استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي منها عن طريق اجراءات، أهمها: دعم مزارعي المحاصيل الحقلية، اهتمام الحكومة بقطاع الزراعة، زيادة المخصصات للبحوث والتطوير في هذا القطاع سيما البحوث المتعلقة بالمحاصيــل الذكية مناخياً، إتاحة الفرصة للشباب بشكل أكبر للدخول بمشروعات صغيرة ومتوسطة في زراعة المحاصيل الاستراتيجية.


إلى جانب إدخال التكنولوجيا الحديثة في زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي يمكــن إنتاجهــا فــي مناطــق متدهــورة أو هامشــية مثل: استنباط أصناف جديدة وفيــرة الانتاج لمحاصيل حوليــة ومعمــرة كالقمح والشعير والــذرة الرفيعــة، وتتســم بتحملهــا للملوحــة والجفــاف والحــرارة والاجهاد، ما سيساعد على توفيــر مــوارد ميــاه عذبـة نـادرة فضلا عــن ملاءمتهــا لإنتــاج الغــذاء والأعلاف.


ومن الإجراءات أيضا، حسب البطش، استخدام الميكنة الزراعية الحديثة الخاصة بهذه المحاصيل، كونها تلعب دوراً كبيراً في تطوير القطاع الزراعي، وتوفر الوقت والجهد في الزراعة، وتزيد من الإنتاج، وتساعد على إجراء العمليات الزراعية بسرعة وكفاءة ودقة عالية، وتمكن من زراعة مساحات كبيرة من المحاصيل الحقلية الاستراتيجية.


وشدد على أنه من الضروري الاتجاه إلى توفير الآلات الزراعية الخفيفة والحديثة، للحفاظ على خصوبة التربة وعدم انضغاطها، وتقليل نسبة الفاقد نتيجة استخدام الآلات القديمة، مع توفير الحكومة قروضا (بدون فوائد) أو بفوائد بسيطة للمزارعين، لشراء هذه الآلات عن طريق مؤسسة الاقراض الزراعي.


كما دعا البطش لتشجيع اقامة مشاريع زراعية مشتركة بين القطاعين، لزيادة انتاج هذه المحاصيل، وإيجاد سياسة سعرية واضحة لرفع الاكتفاء الذاتي منها بأسلوب الزراعة التعاقدية.


وأكد أهمية زيادة الوعي الاستهلاكي بين المواطنين والتخلص من العادات المنتشرة في مجتمعنا التي تسهم بالحد من الإسراف في استهلاك واستخدام المحاصيل.


ولمواكبة التطور المذهل للزراعة في العالم، قال البطش إنه يتوجب التفكير بتحديث التعليم الزراعي المحلي، ليشمل مواضيع معاصرة ذات اولوية تهم القطاع، كموضوع التغير المناخي وآثاره السلبية على القطاع، وكيفية الحد منها، لتعزيز الاكتفاء الذاتي من تلك المحاصيل.


وشدد البطش على جمـع المــوارد الوراثيــة النباتيــة الخاصة بهذه المحاصيل مــن بيئــات مختلفة، وحفظهــا فــي بنك وراثــي، سيما وإن جيناتها تؤمن المواد الأولية التي يحتاجها مربو النباتات  لتطوير أصناف جديدة بإمكانها مواجهة تحديات محتملة مستقبلا، كتغيرات المناخ.


مدير عام الاتحاد العام للمزارعين محمود العوران، قال إن الأزمة الروسية الأوكرانية كشفت هشاشة الأمن الغذائي العالمي، مضيفا أن الأردن جزء من المنظومة العالمية التي تأثرت.


وأوضح كان على الدولة الاستعداد بخطة طوارئ وحركة استجابة سريعة، كتخفيف الكميات المستوردة من القمح والشعير، مؤكدا أن ذلك ممكن باستغلال الأراضي الزراعية المروية، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 2.5 مليون دونم، وإصدار تشريعات طارئة بضرورة استغلال 30 % من كل مساحة زراعية في المملكة، سواء في مناطق الشفا أو الشفاغورية أو وادي الأردن، ضمن زراعات مروية للقمح.


وكان مدير مشروع الإكثار الوطني للبذار المهندس عوض الكعابنة قال في تصريح صحفي سابق، إن اعتماد أصناف القمح أو الشعير يحتاج إلى 15 عاما، لتصبح متاحةً للزراعة في الحقول، ضمن خطط الوزارة المستدامة، بغية التأكد من إنتاجية الصنف وملاءمته للظروف المناخية والتحديات التي تواجه زراعته.


وبين أن هذا المشروع الوطني، يهدف للحفاظ على الأصناف المحلية للقمح والشعير وتطويرها، باستنباط أصناف زراعية قادرة على التكيف مع الظروف المناخية وملاءمة الترب الأردنية والأمطار المتذبذبة، داعيا المزارعين للتحري عن الأصناف الزراعية ومدى ملاءمتها للظروف المناخية والمطر.

إقرأ المزيد :