المساءلة الطبية بين حق المريض وخوف الطبيب

تهاني روحي مؤخرا، لم يعد يمر أسبوع، إلا وتشتعل من جديد منصات التواصل الاجتماعي بأخبار وتعليقات عن الاهمال الطبي، وينقسم الشارع الأردني ما بين تفعيل بل وتغليظ قانون المساءلة الطبية، وما بين الاصلاحات الحقيقية لقطاع يعتبر من اهم القطاعات في الأردن ليس لأهمية السياحة العلاجية والتي وضعت الأردن في مصاف الدول المتقدمة طبيا، بل ايضا لأهمية الحق في الصحة والرعاية الصحية للجميع وهي من أولويات حقوق الانسان. وفي ندوة نظمتها منظمة النهضة العربية ( أرض) برعت فيها باختيار المتحدثين وابدعت فيها د. سوسن المجالي في إدارتها للحوار والذي كان صعبا ومتشعبا جدا وسط حماس الحاضرين الذين تراكمت لديهم عشرات الأسئلة، في محاولة بالخروج ببعض المعطيات والتي قد تكون نقطة البداية لمعالجة ملف في غاية الصعوبة. هل يستطيع قانون المساءلة الطبية الذي لم يتفعل بعد وتم الانتهاء منه العام 2018 من الاستجابة للمطالبات بتزويد المستشفيات والمراكز الطبية بالكوادر الكافية لعملها، فضلاً عن إخضاع؟ الكوادر للتدريب والذي ليس له ميزانية تذكر، وكذلك تحسين الجودة والتي هي أيضا مكلفة. وبوجود أكثر من 300 قضية منظورة أمام القضاء، وازاء تخوف نقابة الاطباء من تفعيل القانون لأنه قد يكون بمثابة سيف يسلط على الأطباء بحسب احد المتحدثين، ومن سينصف المريض والطبيب على السواء وكذلك المؤسسة الطبية التي يعمل بها. القضية اذن ليست فقط في تفعيل القانون، فالأخطاء كلمة فضفاضة قد توجد لها عشرات الثغرات والمخارج، وتبقى القضية في اطار مهنة انسانية يعتبر من يحصلها بأشرف العلوم، في تأهيل هذه الكوادر وتخفيف الضغط الجسدي والنفسي عليهم وتهيئة بيئة تساعدهم للقيام بعملهم الرفيع بأكمل وجه. نائب رئيس محكمة التمييز السابق، أقر بانه لا يوجد لدينا مدعّ عام مختص في القضايا الطبية او حتى الإلمام بالمصطلحات الطبية المعقدة. واعترف بأن قانون المساءلة الطبية وضع على استحياء وهو بحاجة إلى تفعيل أكبر. ويبقى السؤال في هذه المعادلة المعقدة، من يحمي حقوق المرضى في غياب القانون؟ عندها اكتشفوا ان ليس لديهم حل سوى أخذ حقهم بيدهم واللجوء للعنف في كثير من الاحيان. وهذا ما أكدته أمين عام الائتلاف الصحي لحماية المريض حين شرحت اهمية اطلاق كتيب للمرضى يعرفهم بكافة حقوقهم وواجباتهم، خاصة وان نظامنا الصحي غير موجه للمريض وهذا يستدعي اساليب تثقيفية لهم. فمن سوء المعرفة للكادر الطبي والتي تؤدي الى سوء التشخيص يكون المرضى عرضة للتقصير دون نقاش. والحاجة للتفريق ما بين المضاعفات والأخطاء الطبية، وعليه فمن حق المريض أن يعرف إن كان قد تعرض لخطأ أم لمضاعفة طبية. وقد تكون آلية تثقيف المواطنين ضمن ندوة اخرى تتيحها لنا (ارض). إن النظام الصحي يواصل انحداره، بحسب د. فاديا سمارة، وهو بحاجة إلى استحداث وتطوير، وجعل المريض محور عمله، والأهم هو احترام كرامة الانسان وحقه في الحصول على الرعاية الطبية الجيدة ولا بد أيضا من التسريع من عملية التقاضي في حال وقعت أخطاء طبية لضمان إنصاف المرضى والأطباء، فالعدالة البطيئة هي نوع من الظلم أيضا، فضلاً عن أهمية رصد موازنات كافية لتدريب الأطباء والممرضين. نحن نعلم بأن الجائحة قد عرّت الأنظمة الصحية الهشة في معظم دول العالم وكيفية التعامل مع الوباء، ولكن بذات الوقت كشفت عن الحاجة للتأهيل والتدريب وأيضا فيما يتعلق بالإعلام الصحي، الا انها أعادت الاحترام للجيش الأبيض الذي نرفع له القبعات في انقاذ مليارات البشر على حساب ارواحهم وجهدهم. فما بين الاعتراف بحق المريض، وعدم ترك الطبيب متخوفا على مصيره، من ينصف الطرفين في هذه المعادلة الصعبة؟

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا

اضافة اعلان