"خصوصية رقمية".. ذلك ما تبحث عنه النساء

إسراء الردايدة

عمان- في عالم الفضاء الأزرق تجتمع آلاف النسوة من وراء شاشات أجهزتهن الذكية، يتحدثن بصخب، يتشاركن الهموم، يسخرن من الواقع، يواسين بعضهن بعضا، يقدمن النصح، رغم أن معظمهن لم يلتقين من قبل.اضافة اعلان
مجموعات نسوية سرية مغلقة، حيث يمنع الرجل من دخولها، تتحول لمنصة ومساحة ومتنفس للباحثات عن نصيحة وحتى صداقة، تتداخل فيها شخصيات من مختلف الأعمار ومن شتى المواقع الجغرافية، وحدتهن رغبتهن في خصوصية رقمية تحكمها قوانين تحدد من قبل القائمين على تلك المجموعات.
كيف تستخدم النساء هذه المنصات؟
عبر منصات التواصل تنتشر هذه المجموعات بشكل كبير مثل "فيسبوك" و"واتساب"، لكن مجموعات "فيسبوك" تحديدا هي الأكثر رواجا.
وبحسب موقع "ديجيتال براندنج"، فإن المرأة تستخدم منصات التواصل الاجتماعي بشكل أكبر، ولها سلوكيات محددة مقارنة بالرجل، فهي تلجأ إلى كلمات سر أقل لحماية حساباتها، وتبادل المعلومات والوثائق عبر تلك المنصات، خاصة الصور.
لكنها في الوقت ذاته تهتم أكثر من الرجال في حماية معلوماتها الشخصية، خاصة ما يمكن أن يراه الغرباء ويعرفه عنها. أما الرجال في هذه المنصات فهم أكثر عدوانية، ويبحثون عن منافسة ويسعون لتوسعة شبكاتهم المعرفية خاصة في المجالات التجارية.
وعند التواصل يقضي الرجال وقتا أقل عبر تلك المنصات مقارنة بالنساء، وهم أيضا أفضل من النساء في بناء العلاقات والربط الشبكي وإن كانت المرأة تستخدمها بشكل أكبر.
مساحة للبوح
في تلك المجموعات المغلقة عبر "فيسبوك"، تعبر النساء عن رأيهن بأريحية، بدون القلق من تدخل الرجل أو إثارة التعليقات والشعور بالحرج. وغالبية من في تلك المجموعات يشعرن بالراحة لتواجد جنس واحد؛ حيث يتخلين عن الحديث الذي يرافق عادة وجود الرجل.
وكسرت النساء الصورة النمطية، خاصة أن المرأة تمضي 12 ساعة أسبوعية في تصفح تلك المنصات، فيما يحتل "فيسبوك" شعبية تشكل 81 % منهن، ونحو 19 % من النساء اللواتي يعتبرن مقربات عبر "فيسبوك" لم يلتقين من قبل ولا يعرفن بعضهن بعضا إلا من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، وفق الأرقام التي نشرها موقع "بيو" للأبحاث.
ولأن المرأة لديها السلطة والميل للتعبير بشكل أقوى، خاصة مع تزايد اهتمامها بتلك المنصات، فهي سعت لجعل صوتها مسموعا، ولا تخشى من مشاركة نجاحها مع الآخرين.
وعبر تلك المجموعات تشارك المرأة نظيرتها جزءا من تجاربها وتعبر عن مواقف صعبة مرت بها، تخجل مشاركتها مع الجنس الآخر، وفي الوقت ذاته قد تلجأ أخريات لاستعراض مواهبهن في محاولة للقضاء على الميل للمقارنة والمنافسة.
ومن منظور الخصوصية، فهي شبه معدومة في تلك المجموعات التي تتبع قوانين تتعلق بعدم الإساءة لأعضاء آخرين، وتجنب أي تعليق أو إشارة تمييز عرقي أو عنصري وما يمكن أن يثير الفتنة، فضلا عن الحماية، وتوجيه النصح بأسلوب التعبير لتجنب المواقف المحرجة وحماية الخصوصية من قبل العضو نفسه بحيث يمارس رقابة ذاتية.
التفريغ
استشاري الأمراض النفسية والحالات الإدمانية الدكتور عبدالله أبو عدس، يلفت إلى ميل النساء الكبير مقارنة بالرجال لاستخدام تلك المنصات والتي تحمل غايات مختلفة بين الترفيه والخروج من ضغوطات الحياة والسرية من خلال ممارسة التفريغ.
وتظهر الأشياء على غير طبيعتها؛ إذ إن الأصل أن تكون العلاقات في الحياة اليومية، وتحقيق الإنجازات فيها، أما الانتقال للفضاء الافتراضي وقياس المشاعر عبره، فذلك أمر بعيد عن المنطقية والدقة والعمق؛ حيث إن العلاقات الإنسانية فيها ضعيفة وغير مكتملة الأركان وخالية من المشاعر المتدفقة، وكذلك جافة.
إلى ذلك، فإن "فيسبوك"، مجرد واجهة غير حقيقية وأداة للتواصل، ومن هنا فإن توسع رقعة منصات مثل "فيسبوك" وأي تطبيق آخر يخلق روابط اجتماعية، من خلال وجود آلاف المعارف الذين يتقاسمون الاهتمامات ويتبادلون الخبرات.
استخدام "فيسبوك" بين الرجال والنساء
يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن نحو 6.6 مليون مستخدم، بحسب ما نشرته "الغد" مؤخرا. وفي أرقام نشرها تقرير مركز بيو للأبحاث عن ارتفاع نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم في دراسة شملت 39 دولة؛ أظهرت أن نسبة استخدام الانترنت توسعت بالأردن بمتوسط 80 %، وبلغت نسبة الانتشار في الفئة العمرية 18 و34 لما يقارب 75 %.
ويستخدم نحو 75 % من البالغين منصات التواصل الاجتماعي، وشكلت نسبة التفاعل عليها 94 %، وتقدر نسبة امتلاك الأردنيين للهواتف الذكية بـ76 %.
فيما يبلغ عدد النساء المتسخدمات لـ"فيسبوك"، بحسب إحصاءات، نحو 1.11 مليار امرأة، و81 % منهن يقمن بتحديث حالتهن عبره مقارنة بـ11 % للرجال. وهذه الأرقام توضح أن النساء لم يعدن يشعرن بالخوف من التعبير عن آرائهن وإن كانت بمساحات مغلقة كما في تلك المجموعات.
وفي الأردن بلغت نسبة استخدام المرأة للانترنت في العام 2017، وبحسب التقرير السنوي السادس عن حالة وسائل الإعلام الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي أصدرته جامعة نورثوسترن في قطر
 93 % للفئة العمرية (18-24) و90 % لمن هن بين 25 و34 عاما، و88 % لمن هن بين 35-44 عاما، بينما من هن فوق 45 عاما شكلت نسبة استخدامهن نحو 80 %.
أما الرجال فمن هم بين 18 و24 عاما بلغت نسبة استخدامهم للانترنت 83 % ومن هم بين 25 و34 عاما 80 %، و35 و44 عاما 79 % ومن هم فوق 45 عاما 95 %.
في حين بلغت نسبة استخدام التواصل عبر "فيسبوك" مع أفراد أو مجموعات محددة بالنسبة للذكور 18-24، 98 %، فيما الإناث 97 % ومن هن بين 35 و44 عاما شكلن 99 % مقابل الرجال 98 %. ومن تعدين 45 عاما شكلن نسبة 97 %.
مجموعات ليست آمنة
تلك المجموعات هي نوع من المساحة الشخصية؛ حيث تهرب المرأة من الفضاء المفتوح خاصة فيما يتعلق بوجود الرجل، كي تعبر بأريحية عن التجارب التي مرت بها بحثا عن الدعم والسند، وأحيانا لمجرد التسلية.
وكثيرة هي القصص التي تروى عن مواقف تعرضت لها النساء مثل التحرش أو الإساءة والتنمر والاستغلال، ولكن هذا لا يعني أن تلك المجموعات أكثر أمنا.
ويؤكد الاختصاصي النفسي أبو العدس، أن النساء يتواصلن ويدعمن بعضهن بعضا عبر تلك المجموعات من باب إنساني، ولكن هذا لا ينفي أهمية أخذ المساعدة من ذوي العلاقة وأصحاب الخبرة والاختصاص لتجنب الأخطاء، لأن التحليل يختلف من حالة لأخرى وأصحاب الاختصاص فقط هم القادرون على تقديم تشخيص مناسب.
كما أن البوح والمشاركة مع أشخاص لا نعرفهم يحمل جانبا خطرا خاصة فيما يتعلق بغموض الشخصيات، وتعرض البعض منهن للاستغلال وربما الابتزاز ونشر الأسرار واستخدامها بطريقة مضرة.
ويذهب أبو العدس إلى أن هذه المجموعات أيا كانت غاياتها، فينبغي الحذر بكل ما يتم نشره، ومشاركته، وحتى الطريقة التي يتم فيها التعبير عن الأفكار والمواقف التي تنتشر وتوثق للأبد في العالم الافتراضي.