شرق المتوسط بؤرة التوتر المرجّحة لحادث عسكري بين أميركا وروسيا

تقرير - (أحوال تركية) 30/10/2020 واشنطن - في أيلول (سبتمبر)، عقد المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي لقاءات ضمت مجموعة منتقاة من الخبراء الروس والأميركيين لبحث بعض المواضيع ذات الأهمية للعلاقات الأميركية-الروسية. ويوم الخميس الماضي، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً يلخص ما دار في تلك اللقاءات، والذي أوضح أن العلاقات الأميركية-الروسية هي الآن في أسوأ حالاتها منذ الحرب الباردة، وأنها ستظل في حالة حراك طوال السنوات المقبلة، وتحمل في طياتها خطراً دائماً لحدوث تصعيد. تقف واشنطن وموسكو على خلاف بشأن قائمة متنامية من التحديات. ومع ذلك، فإن هناك فرصاً للتواصل الانتقائي. وللحيلولة دون أي انجراف نحو وقوع مواجهة، يتعين عليهما جعل علاقاتهما أكثر شفافية وقابلية للتنبؤ بها -بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي تشهدها الولايات المتحدة في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر). وأكد التقرير ضرورة استمرار الاتصال بين العسكريين من الجانبين وبذل الجهود لتجنب النزاعات، لكن هذه الأمور لن تكفي وحدها. وسوف تستفيد الولايات المتحدة وروسيا على السواء من اتصالات ثنائية أكثر انتظاماً وهيكلية. وهناك فرصة، على الرغم من أنها تتضاءل، للتوصل لأجندة إيجابية، لا سيما بالنسبة لمنطقة القطب الشمالي، وفي مجال الحد من التسلح، وفي السياق الإقليمي في منطقة شرق المتوسط. ولكن، حتى في المجالات التي يستمر فيها عدم اتفاق الطرفين، يجب استكمال آليات تجنب النزاعات بإجراء حوار دبلوماسي يتضمن تقييماً واضحاً للديناميكيات الإقليمية وأولويات السياسات، ويحدد الخطوط الحمراء. ويرى الخبراء الأميركيون والروس أن منطقة شرق البحر المتوسط تظل هي بؤرة التوتر التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع حادث عسكري بين الولايات المتحدة وروسيا. وحتى لا يصل الأمر إلى وقوع مواجهة، يتعين على الدولتين أن تحددا وتناقشا بوضوح مصالحهما في المنطقة، وأن تتحولا باتجاه الدبلوماسية الإقليمية. مؤتمر برلين الأخير الخاص بليبيا يشكل سابقة جيد ذكر التقرير أن مصالح روسيا في المنطقة متعددة. فموسكو تعد المنطقة الواقعة في جنوبها" نقطة ضعف" ومصدراً محتملاً لعدم الأمان الناجم عن تهديدات من جانب دول أو عناصر من غير الدول. وهي تعتمد على التنقل من وإلى البحر الأسود إلى شرق المتوسط للوصول إلى المحيط الهندي عبر قناة السويس. ويمتد هذا التخوف من التهديد الدفاعي عبر منطقة شرق المتوسط التي تعتبرها روسيا امتداداً لحدودها الخاصة بالبحر الأسود. وعلى الرغم من أن روسيا غائبة عن المنطقة منذ أعوام كثيرة، كان تدخلها في العام 2015 لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الأخير الباقي لروسيا في المنطقة، بمثابة عودة إلى سابقة تاريخية وليس شيئاً جديدا من جانبها. وفي سورية، تحول اهتمام موسكو الآن من تأمين البقاء السياسي لبشار الأسد إلى تسهيل ظروف سياسية مستقرة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية. فمع أن السلام الدائم في سورية سوف يحقق مكاسب اقتصادية لروسيا، فإن الأهم من ذلك هو أنه سوف يعزز الوضع الأمني لموسكو ويؤكد قدرتها على أن تكون بديلاً للولايات المتحدة في المنطقة. وفي ليبيا، وفر الجيش الروسي، عن طريق مرتزقة جماعة "فاجنر"، الدعم اللوجستي والعسكري للقوات التي تقاتل لصالح خليفة حفتر وما يسمى بالجيش الوطني الليبي. وكما هو الحال في سورية، فإن هذا التدخل ضمن لموسكو مقعداً مهماً على المائدة الدبلوماسية، كما ضمن أن يكون لها رأي بالنسبة للمستقبل السياسي، والاقتصادي، والأمني لليبيا. بتجديدها علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في أنحاء المنطقة، مثل العلاقات مع مصر وقبرص، تؤثر روسيا على خيارات وتحديات سياسات الاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط، مثل تدفقات المهاجرين. ومن الملاحظ أن زيارة أخيرة لموسكو قام بها مسؤول أمني ألماني كبير ركزت على موضوع الهجرة وليس أوكرانيا. وبالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر شرق المتوسط الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومركزاً مهماً بصورة متزايدة للطاقة في المنطقة، ونقطة عبور حيوية للتجارة. ومن أجل الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها تجاه الناتو، تسعى واشنطن للحفاظ على استعداد وفعالية وضع الحلف فيما يتعلق بالردع والدفاع في شرق المتوسط والبحر الأسود. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى لخفض التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط، فإنها تركز على ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي كبير ضد إيران، وتسريع الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. وتريد الولايات المتحدة الاحتفاظ بالنفوذ في المنطقة والقدرة على الوصول إليها، ولكنها لا تعرف بشكل مؤكد كيف تتعامل مع تواجد روسي متزايد فيها وعلاقات ثنائية تصعب باطراد مع تركيا. وتركز سياسة الولايات المتحدة في سورية على الاحتفاظ بموضع قدم فعلي، لكنه دائم التقلص، من أجل الحد من القوة الإقليمية لإيران، والمساعدة على الدفاع عن إسرائيل، ومواجهة خطر عودة ظهور الإرهاب. وفي ليبيا، تريد الولايات المتحدة وقفاً لإطلاق النار ومساراً للمصالحة السياسية، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب تدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس أم ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر. وفي حقيقة الأمر، فإن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان في الاهتمام بالحيلولة دون أن يصبح أي طرف مهيمناً في المنطقة، وبتوفير الظروف للنشاط الاقتصادي، وبدعم جهود محاربة الإرهاب لحماية الولايات المتحدة وروسيا. وخلص التقرير إلى أن الولايات المتحدة وروسيا طرفان مهمان في شرق البحر المتوسط، ويتعين عليهما ترتيب إجراء حوار منتظم بشأن الديناميكيات الإقليمية -ليس من أجل حلها بالضرورة، ولكن لمواصلة تفهم الطابع المتغير لهذه الديناميات ولتوضيح سياسة ومواقف كل منهما.اضافة اعلان