قصتان بين الأردن وإسرائيل

بين يدي حالتان مهمتان، بشأن العلاقة بين الأردن وإسرائيل، وتحليلهما مهم، من اجل إعادة التذكير بحقائق كثيرة، بدلا من الانتقائية، التي تعبر أيضا، عن غياب العمق، في مرات.اضافة اعلان
الأولى ترتبط بما نشرته صفحة اخبار إسرائيلية، حول حفل عشاء أقامه السفير الإسرائيلي في عمان، وحضرته مائة شخصية أردنية وفقا لعنوان الصفحة التي لم تنشر اسما او صورة واحدة لمن تقول انهم تناولوا العشاء مع السفير الإسرائيلي.
كل الاعلام الأردني الالكتروني وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، اعادت نشر الخبر، ولا يوجد دليل أساسا على هذا العشاء ولا صورة ولا أسماء، هذا فوق ان توقيت نشر السفير لنشاطه، يتقصد الرد على الحملات المتصاعدة ضد إسرائيل في الأردن، وبث الشكوك والقول للناس، إن هناك نفرا يتعاون معنا، ويتناولون العشاء، ولا يأبهون بملف القدس، ولا بقصف غزة، وسواء صح العشاء او لم يصح، بنفس العدد، او اقل منه، وبحضور شخصيات أو أراذل الناس، فقد تسبب الخبر بضجة كبيرة في الأردن.
ما يراد قوله هنا، إن الرد على السفير وعلى الثلة الضالة التي يقال انها تناولت العشاء، اذا أقيم أساسا، تناسى ما هو اعمق، أي وجود سفارة إسرائيلية في الأردن، وتورط المئات في التجارة مع إسرائيل، والاستيراد والتصدير، من بيع الزيتون، وصولا الى بيع حجارة البناء، مرورا باستيراد سلع كثيرة من إسرائيل، او عبر ميناء حيفا، خفضا للنفقات، هذا فوق ان التنديد بقصة العشاء، على أهميتها، يجب ان تفتح الملف الأخطر، ملف التطبيع في السر، وكل أولئك الذين يتعاملون مع الاحتلال، وهذا هو الرد الوحيد على السفير الذي تقصد بث هذا الخبر في هذا التوقيت وكأنه يتحدى الأردن جهارا، ويستفز الناس، ويريد ان يقول ان هناك مجموعة تعمل معنا، برغم اننا ندرك ان هناك شبكة أوسع بحاجة الى ان يتم فضحها.
دون ان نعالج الامر في اطاره الاوسع، أي العلاقة مع الاحتلال، نكون قد تورطنا في الفخ الذي أراده السفير، أي الشك في بعضنا بعضا ودق اسفين علني بين الأردنيين.
الثانية، شبيهة بالاولى، إذ إن كل الغضب على اتفاقية الغاز الفلسطيني المنهوب إسرائيليا، من جانب الاعلام والنواب وكل النخب والشارع الأردني، غضب مبرر ومفهوم، لكنه يأتي متأخرا، اذ ان الاتفاقية سرية، وتتكتم عليها جهات كثيرة، وكأنها اتفاقية عسكرية، وهي ليست كذلك، وهذا يشي بوجود مخاطر مخفية، وكان الأصل الضغط من اجل نشر نص الاتفاقية، ومحاسبة الذين قبلوا الشرط الجزائي، اذا كان موجودا حقا، ولعل الأهم ان نقول ان حفريات الخط، اوشكت على الانتهاء، وكثرة من الذين تم حفر ارضهم من اجل خط الغاز، قبضوا تعويضاتهم المالية، ونحن هنا في هذه الحملة كمن يذهب ليبارك لسيدة بالزواج، وهي على وشك ولادة مولودها الأول، وهذا امر عجيب حقا من حيث التوقيت والتأثير وجدوى كل هذا الغضب، المقدر على اية حال، وغير المنتج فعليا.
في الحالتين، تأتي مواقفنا جيدة، لكنها ناقصة، وغير كاملة، او غير منتجة، او لا تتناول كل تفاصيل المشهد، وهذا يأخذنا الى القاعدة الأساس، أي ان العلاقات مع الاحتلال، علاقات خطيرة للغاية، وتهدد الأردن، وليس ادل على ذلك، من اننا اليوم امام السيناريو الأخطر، أي ضم الضفة الغربية الى إسرائيل، وهو سيناريو خطير سيؤدي فعليا الى اخذ ارض الضفة الغربية، ما سيؤدي فعليا، الى سقوط مشروع الدولة الفلسطينية، وانهاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وبحيث يكون الفراغ المستجد، بحاجة الى جهة تديره، وقد يكون في ثنايا صفقة القرن، ما يريد ان يفرض على الأردن هذا الاتجاه، وهو ما أعلنت عمان رفضه مرارا وتكرارا، بشتى الوسائل.
علينا ان نعود الى الجذور الأولى وليس الفروع، جدوى اتفاقية وادي عربة، وجدوى وجود سفراء وسفارات، وكلفة تهديدات المسجد الأقصى والحرم القدسي، والغزو الاقتصادي الإسرائيلي، وعمليات التطبيع، وغير ذلك، وبدون معالجة القصة من جذورها، فإن ملاحقتنا للفروع، تبدو مثيرة للتساؤلات، حول الجدوى، والفائدة الفعلية.