لا بديل لاتفاق مع حماس أو اجتياع غزة!

من واشنطن

بعيدا عن القول بأن حصار غزة هو عمل غير إنساني، فإن ثمة ما يوحي بأن الحصار لا يخدم الأمن الإسرائيلي ويقوض عملية أنابوليس ويضعف من قدرة العرب على دعم عملية السلام التي لا تجري في الأساس ولا تنهي وجود حماس، هذا باختصار ما يمكن استنتاجه من الذي يجري في غزة هذه الأيام.

اضافة اعلان

لنبدأ في محاولة فهم منطق الحصار على غزة. نستنتج من متابعاتنا للحالة الفلسطينية أن هناك افتراضا أن الحصار سيحول حياة فلسطينيي قطاع غزة الى جحيم على المدى القصير. وبالتالي ستنقلب الأوضاع ضد حماس وستخلق قوة زخم من أجل حقن المجتمع السياسي الفلسطيني بحقنة اعتدال تكفيه للسماح بعملية سلام "ناجحة" حسب الشروط الإسرائيلية. ما جرى في غزة مؤخرا والاقتحام البطل للشعب الفلسطيني للحدود يبين أن هذا السيناريو لا يتحقق، بمعنى أن الغضب الفلسطيني لم يتوجه ضد حماس بل اتجه الى العمل المبادر في تحطيم الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني بحجة معاقبة حماس. وأكثر من ذلك، بالرغم من كل القصص والروايات التي تسمعها، لم تتراجع قوة حماس بشكل ينبئ بانهيارها ولم يقوَ محود عباس ولم تنجح عملية أنابوليس لغاية هذه اللحظة في احداث اختراق في المفاوضات. وحتى الدول العربية التي تشجعت لمؤتمر أنابوليس تشعر بالحرج الشديد من الممارسات السياسية الاسرائيلية وبدأت تفقد الثقة بمجمل عملية أنابوليس. ويبدو أنه حان الوقت للاستنتاج أن إسرائيل غير معنية بعملية السلام. والمتابع للنقاش الداخلي الاستعلائي في إسرائيل والذي يستخف بالآخر لا يملك إلا أن يتوصل الى هذه النتيجة.

وبهذا الصدد لا بد من تفحص نظرية أو فرضية أن الحصار سيفيد القوى المعتدلة وأن فك الحصار سيمنح حماس الشرعية التي تبحث عنها. لنكن واضحين، لقد تم انتخاب حماس في عملية ديموقراطية شفافة وحرة ونزيهة، وبالرغم من خلافي الشديد مع منهج عمل حماس وبالرغم من اعتقادي بأنه لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني الا انني انحني احتراما لرغبة غالبية الشعب الفلسطيني في خياراتهم. ولا يمكن أن تكون إسرائيل ولا الولايات المتحدة أو حتى دول الاتحاد الاوروبي من يمنح الشرعية لحماس أو غيرها. وهذا هو شأن فلسطيني بحت. ومن دون شك أضاع الجميع فرصة الاشتباك مع حماس مبكرا وعدم محاولة اعطاء الجناح المعتدل في هذه الحركة ما يقويها، أما الجناح الراديكالي الذي يجادل الآن بأن رأيه كان هو الصواب.

ولنعد الى المقولة الأمنية الإسرائيلية التي تفترض أن حماس تقوم بتهريب الأسلحة لليوم الموعود. هذا هراء استراتيجي لسببين. أولا، موازين القوى هي في صالح إسرائيل حتى لو استمرت حماس في تهريب عدد أكبر من الصواريخ التي ثبتت انها ليست بفعالية مقلقة استراتيجيا ولا تكتيكيا. ثانيا، أن حماس لا تهرب طائرات وأسلحة دمار شامل ولا انظمة اطلاق وبالتالي لن تغير هذه الاسلحة في موازين القوى وستبقى حماس تعاني من انكشاف استراتيجي بنيوي. وأكثر من ذلك، علينا أن نتذكر أن حماس لم تطلق صواريخ على سديروت ولكنها لا تمنع اطلاقها. وهنا المفارقة وهي ان حماس تلتزم الى حد كبير بقواعد اللعبة القائمة على تجنب اسرائيل من استهداف قادة حماس مقابل عدم اطلاق حماس لصورايخ او عمليات فدائية داخل العمق الاسرائيلي. الصواريخ الأخيرة هي في سياق الاشتباك الدموي بين الطرفين. وبعيدا عن كل ذلك ليس لإسرائيل خيار عسكري لمنع إطلاق الصورايخ إلا إذا احتلت القطاع بالكامل، باختصار أمام اسرائيل خياران واحد سياسي والآخر عسكري لضمان أمنها. فإما أن تتفق مع حماس وإما أن تعيد احتلال القطاع بالكامل. النقاش الذي يجري في الجيش الاسرائيلي يتجنب الخيار الأول في حين يخشى من تداعيات الخيار الثاني.

ما هو الحل؟ لا يبدو أن لحماس او اسرائيل خيار عسكري حاسم الا اذا ارادت اسرائيل اجتياح القطاع بالكامل وارتكاب مجازر وحشية وهو ما أستبعده في المستقبل المنظور لأسباب دولية وإسرائيلية ولكنه في لحظة طيش قد يحدث. الحل إذن هو اتفاقية وقف اطلاق نار متوسطة المدى حتى يتم اتمام صفقة تبادل الأسرى بصرف النظر عن كيفية انعكاس ذلك على بقاء حماس او غيابها. نعرف ان صفقة كهذه لن تريح القيادة الفلسطينية في رام الله، لكن ليقولوا لنا بعد فشل المفاوضات ما هو البديل غير المزيد من الحاق الأذى بالشعب البريء. الشعب الفلسطيني في غزة امتلك من الجرأة التي مكنته من الصمود واختراق الحصار والدور الآن على القيادة الفلسطينية في غزة ورام الله للنهوض لمستوى تضحيات وصمود هذا الشعب.