‘‘نادي غزة للتزلج‘‘.. حينما يكون البحر الحصار والحرية

مشهدان من الفيلم - (من المصدر)
مشهدان من الفيلم - (من المصدر)

إسراء الردايدة 

عمان – وسط الدمار والحرب والحصار، وحيث البحر الذي يمثل الحياة؛ لا تتوقف الحياة والأمل والأحلام بقصة الفيلم الوثائقي "نادي غزة للتزلج"، وسط تناقضات العيش في قطاع غزة الذي لا يهدأ.

اضافة اعلان

يتتبع الفيلم حكاية أحلام ثلاثة أجيال هم الأربعيني أمحمد أبو جياب الصياد الذي كان من أوائل من مارس ركوب الأمواج، ولكنه استسلم لواقعه وسط الحصار. وابراهيم عرفات الذي حقق حلمه بالوصول لهواي وتعلم صناعة الواح التزلج، وصباح أبو غانم السباحة التي كانت من الفتيات اللواتي ارتطمت احلامهن بواقع مجتمع يقيد من حريتها لتتكسر كل آمالها على صخور الشاطئ.

وفيما استغرق تصوير الفيلم خمسة أعوام تتبع فيها كل شخصية عن قرب، فهو أيضا عاصر الكثير من الأحداث. وهو انتاج ألماني عربي، أخرجه كل من فيليب نات، ميكي يمين، ومنتج مشارك ستيفاني يمين، وتوزيع في العالم العربي شركة MAD Solutions، وتنطلق عروضه في سينما البركة مول اليوم، بعد أن شهد جولات عروض تجارية في الوطن العربي، وبات أول عمل وثائقي يعرض في دور العرض التجارية الكويتية.

يفتتح الفيلم أحداثه بتسلسل بصري صوتي مدهش، حيث من أصوات الانفجارات الناجمة عن الضربات الجوية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على القطاع بين الفينة والاخرى، وصور الأمواج التي تتحطم على صخور الشاطئ، والغيوم الملبدة ولقطات لا تنتهي لبيوت عمها الدمار، وسط شعور بالتوتر والكآبة لواقع الحياة المعاشة يوميا.

وتتحدث كل شخصية عن أهمية ركوب الأمواج، ووسيلتها للحفاظ على صفاء العقل وهدوئه وسط كل هذه المصاعب في مكان يخلو من الأمل.

هؤلاء الشباب الذين يركبون الموج بأقل الامكانات في قطعة أرض محاصرة شواطئها ويقطنها نحو1.850.000 في جانب غير مستقر، حيث الحرب هي خلفية كل شيء والأمواج تمثل الهدوء والسلام الذي يبحث عنه الجميع.

كل حكاية من الثلاث تحاول الهرب من ضغوطات الحياة والعقبات التي تواجه رغباتهم البسيطة، ففي كل مكان فيه البحر، يعد ركوب الأمواج أمرا مألوفا، ولكنه لساكني غزة ليس رياضة أو هواية؛ بل طريقة حياة تمنعهم من ممارسة هوياتهم.

ويكشف المخرجان شيئا فشيئا كيف تكون القيود المجتمعية هي أحيانا أكبر عائق، وفي حالة "صباح" التي توقفت عن ركوب الأمواج بعد أن باتت صبية واكتملت انوثتها؛ تتحول لمشاهدة للأمواج التي كبرت بينها وصادقتها، ويتحول حلمها لتكون طبيبة، فيما آخر يصل لقناعة أنه من المستحيل أن يتأقلم أحد من الخارج على حياة القطاع والانعزال والحرب.

 فكرة الفيلم 

  يذكر أن فكرة الفيلم جاء من خلال جائزة مؤسسة روبرت بوش شتيفتونغ في 2013، وكان عرضه الأول في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وفاز بـتنويه خاص في ختام أيام سينمائية بفلسطين، وترشح لـجائزة العدالة الاجتماعية في مهرجان سانتا باربرا السينمائي الدولي، وجائزة أوركيد هالي كولاني الذهبية من مهرجان هاواي السينمائي الدولي وشارك في عدد من المهرجانات الأخرى منها مهرجان دبيالسينمائي الدولي وأيام قرطاج السينمائية وأسبوع السينما العربية بنيويورك ومهرجان الأفلام البيئية في واشنطن ومهرجان الفيلم الفلسطيني في هيوستن ومهرجان ترومسو أيام سينمائية السينمائي الدولي ومهرجان الأفلام الدولية بأمستردام ومهرجان متحف الفن الحديث الدولي للأفلام غير الروائية والإعلام ومهرجان أضواء فرانكفورت الدولي للأفلام.

 تناقضات بصرية 

بالرغم من التصوير الذي يميل للرومانسية التي لا تخلو من القساوة، والانتقال بين اليابسة والسماء والبحر الهائج، بين الأحلام وتكسرها، بين الثورة والاستسلام، بين البحث عن السلام في دمار الحرب؛ يعد فيلم "نادي غزة للتزلج"، جملة من المتناقضات الثنائية التي ترجمت لبصرية من خلال الشخصيات، والموسيقى نقلت الواقع بين صوت الحركة والموج والشوارع وكل شيء.

بدءا من ابراهيم العشريني ومحمد الصياد الاربعيني وصبا ذات الخمسة عشر ربيعا، وآخرون مثلهم، هم صورة لما يدور في قطاع غزة، ووصف دقيق لحياتهم اليومية وواقعهم المعاش، التقطت المشاهد عن كثب لتجعل من أجساد هؤلاء صورة تحكي عن العلاقة بين الإنسان والبحر، فالفتاة التي عانقت البحر وهي طفلة باتت محرمة عليه بعد بلوغها برغم أنه كان أكثر من منحها مساحة للتحرر والانطلاق.

 بينما الرجل هو طوق حصار وبذات الوقت صوت الغضب كهدير الموج حين يركب سطح لوحه، ويرقص فوقه، وايضا هو يمثل الثورة للخروج والهرب من كل شيء ما يسبب له الشعور بالاختناق، فيغدو الموج والبحر باحة تنفس. أما الصياد الذي قاوم في شبابه كل شيء استسلم لواقعه بعد أن امتلك الموج يوما، فأيقن ربما رغما عنه ان البحر لا يجب الاقتراب منه كما يقول "ابتعد عن البحر.. فهو لا يأتي إلّا بالفقر"، وبرغم هذا لم يستطع الابتعاد عنه وسيورثه لابنائه، حبا وحصارا؟

النصف الأول من الفيلم يتابع كل شخصية وما تعاني منه، ويلتقط توترها ويجعل المشاهد ملازما لكل التفاصيل، فيما النصف الثاني يتحول الأمر لانفراجة، حيث التغيير وبعض الأحلام تزهر، والعاطفة والشغف يدفع الجميع للتحرك وإن لم يكن للسياسة حضورا مباشرا لكنها بالتأكيد حاضرة في الخلفية.

 فيلم "نادي غزة للتزلج" يترجم قدرة الفرد على تحدي كل شيء، ويؤكد أن للأحلام أجنحة تكسر أي قيد وتحمل صاحبها حيث يريد إن لم يستسلم لكل العوائق مهما أنهكته.. ولو كان حلم الشباب بمغادرة قطاع غزة، لكنهم مرتبطون بها إلى الأبد وكل يقاوم بطريقته برغم كل أنواع الحصار.