أحمد زويل وعروبة سورية

كنت أتخيل أحمد زويل سلطاناً فاتحاً فيما كانت مديرة الإعلام في "متحف نوبل"، بالعاصمة السويدية استكهولم، تسترسل في وصفها لي لحظة دخول هذا العالِم العالمي قاعة الاحتفال بتسليمه، مع آخرين، جائزة نوبل عن أبحاثه في كيمياء "الفيمتو"، العام 1999.اضافة اعلان
لكن زويل الذي حق له أن يكون سلطاناً بإنجازه، سيكشف عن تواضع وأخلاق ولباقة راسخة، كما تؤكد محدثتي السويدية العارفة عن قرب بكثير من الفائزين بالجائزة الأرقى عالمياً؛ إذ كانت تتبدى هذه الخصال أصلية في زيارات زويل المتكررة لضبط الجهاز الذي أهداه للمتحف، ضمن تقليد تقديم كل فائز شيئاً أسهم في مضيّه في رحلة الفوز.
إلا أن السلطان؛ علماً وخُلقاً، سيغدو –عند البعض ولربما كثيرين- لحظة وفاته العام 2016، مصرياً عربياً فقط بما يسمح بالتهجم عليه واغتيال شخصيته العظيمة! وذلك باستحضار زياراته –كمواطن أميركي- إلى إسرائيل والعمل على مشاريع مشتركة أميركية إسرائيلية! وهي أيضاً الوظيفة التي أدتها "العروبة" في حال الأديب اللبناني-الفرنسي أمين معلوف، حين ظهر على محطة تلفزيونية إسرائيلية العام الماضي؛ إذ صار "بفضل" لبنانيته فقط، مهوى كل شتيمة وتحقير، ولا سيما من مقاومي "التطبيع المباشر"، إنما المؤيدين في الوقت ذاته لـ"التطبيع عبر الوسيط الروسي".
وحداثة المثالين السابقين لا ينفيان أبداً عراقة الهوية القاتلة لـ"العروبة"، حتى صارت هذه الأخيرة –بفضل كثير من القوميين الأعلى صوتاً وإن لم يكونوا الأغلبية بالضرورة- مرادفاً تلقائياً للموت؛ مادياً ومعنوياً على حد سواء. إذ بعد صمت عقود على الاستبداد والفساد والتخلف المختبئ خلف ورقة توت "قومجية"، استذكر أولئك القوميون (ومدعو اليسار المتأكل) عروبتهم، فقط لتبرير التنكيل بالشعوب العربية، لأنها خانت ذلها وتخلفها "القوميين"!
الآن، في مقابل ذلك الوجه القاتل المدمر للذات، يتبلور وجه آخر؛ بأصحابه لكن ليس بنتائجه، مع تقديم روسيا "دستورها السوري!". إذ تؤكد التسريبات إغفاله –للمرة الثانية بعد "الدستور السوري" الروسي العام الماضي- "عروبة" سورية؛ في مسمى الدولة، كما المبادئ الدستورية التي يُفترض أن تكون خاضعة لها (مع أن الأغلبية الساحقة من الافتراضات الإيجابية، إن لم يكن جميعها، في حالة الأسد ومن يبقونه في منصبه هي محض إثم).
ومع عدم الانتقاص من قدرة أتباع واضعة الدستور؛ أي روسيا (ومعها إيران) على تلفيق الأكاذيب لرمي التهمة على كل معارضي الأسد، فإن الهجوم على اختفاء "لفظ" العروبة سيكون غالباً من الفريق المقابل، وجزء غير قليل منه دافعه العداء للأكراد السوريين. ولتكون النتيجة النهائية –من دون أي مواربة- هي التقاء هذا الجزء مع أعدائه صانعي "العروبة القاتلة"، طالما أن العروبة هنا أيضاً هي بالحد الأدنى أداة لتهميش مواطنين سوريين مختلفين عرقياً وثقافياً.
مرة أخرى، ودائماً، ليس الانتماء بالألفاظ والأوصاف، بل بالأفعال فقط. يكفي دليلاً أن مدعي الدفاع عن "القومية العربية" هم أشد المدافعين عن احتلال إيران لسورية والعراق، وممارستها التطهير العرقي بشكل طائفي هناك. ولذلك، فإن سورية، أياً كان مسماها الرسمي، ستظل عربية بممارسة أهلها، بل وستتجذر هذه العروبة بتجذر التأكيد على مواطنة كل مواطنيها بلا استثناء، لأنها لن تكون عندئذ محل هجوم أو تشكيك أو عروبة شوفينية تقتل أصحابها قبل سواهم.
القضية هي جوهر "سورية الدولة" لكل مواطنيها بغض النظر عن المسمى، في مواجهة "سورية الأسد" التي ألغت باسم العروبة، الدولة بكل أركانها؛ شعباً وأرضاً وسيادة!