أطفال يقرأون الاعتداء على الأقصى وينتصرون لفلسطين

أطفال يقرأون الاعتداء على الأقصى وينتصرون لفلسطين
أطفال يقرأون الاعتداء على الأقصى وينتصرون لفلسطين

بعيون ترفض الاحتلال وجرائمه؛ يترقب الصغار بتأثر لكل ما يحدث في فلسطين وغزة، يعايشون تفاصيل القضية بعيدا عن الكتب والمناهج الدراسية في فرصة حية من شأنها أن تسمح لهم ومن شتى بقاع العالم بالتضامن روحا وقلبا مع إخوانهم الفلسطينيين وتأكيد حقهم في الأقصى والقدس العربية.

اضافة اعلان

 


بدا واضحا أن الأطفال رغم صغر سنهم، يعون جيدا أن إسرائيل تنتهك الحقوق، وتشرد العائلات وأن فسطين ستظل حرة عربية ومركز القلب، ويظهر ذلك جليا في أحاديثهم وتساؤلاتهم التي تثبت يوما بعد يوم أن الحق لن يضيع مهما طال الزمن، وأنه لا بد أن تأتي اللحظة التي ستتحرر فيها القدس وتعود إلى أكناف العروبة أبية شامخة.


الأحداث الموجعة تارة والمحرضة على الفخر والانتماء تارة أخرى، جعلت من الطفل أسامة خالد ابن التسع سنوات، مراسلا صغيرا يتابع بشغف واهتمام بالغين كل التطورات الحاصلة في فلسطين، وغزة أولا بأول، يتأثر بكل ما يراه من مشاهد قاسية بالتأكيد، لكنها أيضا تمثل له نماذج حقيقية تجسد الفخر في أنبل معانيه، وتثبت كذلك عمق جذور ذلك الشعب الضاربة في أرضه التي يأبى التنازل عنها رغم ما يواجهه من تنكيل وقتل وتشريد واعتقال.


هو ولأول مرة يتسنى له قراءة تفاصيل القضية على أرض الواقع لدرجة أنه يقضي طوال الوقت في التفاعل عبر جروبات الواتساب وعبر صفحته الشخصية على الفيسبوك، فحبه الكبير لفلسطين وإحساسه بأنها جزء منه يدفعانه للتعرف إليها أكثر من خلال المعلومات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتبادلها مع أقرانه ونقلها إلى والديه وإخوته الذين باتوا متفاجئين منه كثيرا ومن كمية المعلومات التي يجمعها يوميا عن الأقصى وفلسطين.


ومنذ بداية المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والاعتداء على حي الشيخ جراح والاقتحام المتواصل للمسجد الأقصى، لا تكف الطفلة مها (11 عاما) عن طرح الأسئلة على والديها والاستفسار عن كل صغيرة وكبيرة، فعيونها البريئة دائما مليئة بالدموع والألم.


تبحث مها باستمرار عبر مواقع عالمية ومنصات التواصل عن كل ما يحدث في الأراضي المحتلة، فأصبحت ملمة نوعا بكل ما يحصل، وحق كل فلسطيني على أرضه، المشاهد والفيديوهات المؤلمة التي تشاهدها على التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي تعمق لدى مها الحزن أكثر فأكثر وتزيد من حيرتها وقلقها على أطفال بعمرها يواجهون الموت في كل ثانية، اغتيلت طفولتهم فكبروا قبل الآوان، وفي أرواحهم ألف غصة ووجع مع صور توثق بطولاتهم وصمودهم وسط كل الدماء والخراب.


لكن كل ذلك، لم يكن شيء يذكر أمام مشهد لطفلة من غزة تحمل دميتها بين ذراعيها ويحيط بها الركام من كل صوب، تقف حائرة وحيدة لا تعرف ما الذي ينتظرها. هذا المشهد وبكل ما يحويه من ألم وحزن استفز مشاعر مها، أوجعها حتى إنها لم تستطع النوم تلك الليلة بسبب الأسئلة الكثيرة التي راودتها أين ستنام؟ وكيف ستعيش بمفردها من دون عائلتها؟ وإلى أي درجة هي خائفة؟ ومن الذي سيحميها من القصف؟


المختص النفسي الدكتور يوسف مسلم يرى أن الأحداث الحالية جعلت الصغار ينتبهون لكل ما يحدث في غزة وفلسطين، وذلك لأن الأحداث ولأول مرة تكون على هذا المستوى من التدخل، مضيفا أن هذه الأوضاع حصلت قبل ذلك مرات ومرات لكن من الواضح للجميع أن الفرق اليوم هو زيادة نشاط التفاعل والتركيز الكامل على كل ما يحدث على الأراضي الفلسطينية.

ويرجع السبب في ذلك إلى الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي تحديدا وقدرتها الإعلامية على توصيل كل التطورات أولا بأول وبسرعة كبيرة، وأيضا نقل مباشر لكل التفاصيل الجارية على أرض الواقع.


ويبين مسلم أنه لم يعد أحد مغيبا، بل على العكس الجميع بمقدوره أن يستمع لما يقوله الشارع والناس، والمجال مفتوح لمن يرغب في معرفة أي شيء وقراءة الوقائع كما لو أنه في المكان نفسه. غير أن مسلم يحذر من كثرة انتشار الصور القوية والمؤثرة التي قد تتسبب في حدوث انعكاس سلبي وخاصة تلك المتعلقة بالدم.

وذلك لأن العرض الزائد لهذا النوع من الصور ينتج عنه أمران، أولا يزيد من خوف الأطفال بشكل كبير، وثانيا يحدث لدى الكبار حالة من الإشباع والاعتياد على تلك المناظر لدرجة أنها قد لا تعود تؤثر فيه.


وينصح مسلم في هذه الحالة الأهل أن يكونوا عقلانيين في تعبيرهم عن رأيهم وحتى متابعتهم للتلفاز، وذلك لأن الأحداث بقسوتها من شأنها أن تؤثر على الأطفال سلبا، لذا لا بد للوالدين من الانتباه لنقطة مهمة وهي عدم ترك التلفاز مفتوحا على مناظر الدم والخراب والقتل، لكن دون أن يلغوا حقهم في فهم حيثيات القضية الفلسطينية، فقد آن الآوان لهم أن يعرفوا ويعوا ما يجري وذلك بأسلوب مبسط يناسب سنهم وفكرهم، مع زرع الأمل والانتماء في نفوس هؤلاء الصغر.


المستشار الأسري والنفسي د. أحمد سريوي يذهب إلى أن الأطفال في شتى بقاع العالم تأثروا كثيرا بما يحدث في فلسطين، وكانت لهم مشاركاتهم تنم عن إحساسهم العميق تجاه إخوانهم الفلسطينيين وتمسكهم بحقهم بالأقصى، فـالطفل الفلسطيني ليس كبقية الأطفال، فقد ولد من بطنٍ لاجئ وعاش مع عائلة تحمل همّ القضية.


كذلك، فإن الطفل الفلسطيني يُدرك منذ نعومة أظافره أن له وطناً عظيماً اسمه فلسطين؛ ابتداء من مكانته الدينية كأول قبلة للمسلمين بالأقصى وانتهاءً بحجم المعاناة التي عاشها هذا الشعب منذ بدء الانتداب البريطاني عليه وحتى النكبة ثم النكسة وما تبعتها من مجازر ارتكبت بحق شعبه.


ويبين سريوي أن للآباء دورا أساسيا ومباشر في ترسيخ الهوية الفلسطينية للصغار منذ نعومة أظافرهم، مشيرا إلى أن الشارع والناس وحتى المحطات التلفزيونية الهادفة والصحف النظيفة والمدوّنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشاركون جميعاً في توصيل هذه المدارك للطفل ليعرف أكثر عن الهوية الفلسطينية أكثر وأكثر.


ويختلف بالطبع إدراك هذا الطفل حسب موقعه على الخريطة، فعرب الداخل في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الصهيوني ويعيشون بينهم ويتعاملون معهم كل يوم أما عن الضفة فجدار الفصل العنصري كافٍ ليجعلهم يدركون القضية، ناهيك عن السواتر والحواجز التي تملأ الشوارع.

أما أطفال غزة؛ فهم في حالة إدراكٍ مستمرة لا تحتاج إلى توضيح، فالطفل يولد على حصار ودمار في الشوارع والبنية التحتية وقصف جوي يظلل سماءه وكهرباء منقطعة طيلة الوقت، ناهيك عن صعوبة التعليم ومجاهدة البحث عن لقمة العيش وصولاً للحصول على ملابس نظيفة وبيت مرتب غير مهدوم.


أما طفل الشتات الفلسطيني، فهذا وحده قضية (قضية اللجوء) يعلم منذ نعومة أظافره أنه لاجئ وأنه فلسطيني وأن حق العودة لن يسلبه إياه أحد، فيبقى لديه حنين للوطن.


ووفق سريوي، فإن الأهل والمعلمين هم الركيزة الأولى في تنمية وتعميق القضية الفلسطينية في نفوس الصغار؛ عليهم واجب توضيح المعلومة الصحيحة وما يحصل من انتهاكات على الأراضي الفلسطينية.

 

اقرأ أيضاً: 

 الاحتلال مرتبك بعد رد "الشيخ جراح" على جرائمه بحق "الأقصى"