إلى من يهمه الأمر

كتب الصديق والزميل معن البياري، مقالاً لطيفاً (في صحيفة العربي الجديد) بعنوان "في يوم دوستويفسكي"، الروائي الروسي المعروف، بمناسبة اليوم الاحتفالي الذي يقيمه أدباء ومثقفون في بداية تموز، في مدينة سان بطرسبيرغ، يحتفلون فيه بميراث الروائي الأديب ويتذاكرون في رواياته والأماكن التي تناولها فيها.اضافة اعلان
ويتساءل صديقنا البياري لماذا نضنّ في العالم العربي على مبدعينا من الأدباء مثل هذا التقليد الجميل، وضرب مثلاً على ذلك في الأردن بالشاعر الكبير مصطفى وهبي التل، وهو ما دفعني بالفعل إلى كتابة هذا المقال لدعوة المعنيين - وزير الثقافة نبيه شقم، صاحب الثقافة الواسعة والعاشق للكتب والقراءة، أو مؤسسة عبد الحميد شومان، أو حتى رابطة الكتاب الأردنيين- إلى تبني مثل هذا التقليد المحترم والجميل، ليس فقط على صعيد الأدب، بل ربما الفن والإنتاج المعرفي بصورة عامة.
في اليوم المعيّن يتم دعوة المتخصصين لاستحضار ميراث الشخص المعيّن، ومراجعة أدبه، وإعادة تسليط الضوء عليه، أو أي فعالية شبيهة، وإذا كان ذلك في منزله، وتحويله إلى مزار ومتحف، فذلك سيكون أفضل، ويحضر من يرغب من الجمهور مع وسائل إعلام محلية وعربية، وهي طريقة جيدة، من وجهة نظري، وفيها احترام وتقدير للمبدعين حتى بعد رحيلهم.
قد لا يكون لدينا روائي بحجم دوستويفسكي، أو تولستوي أو أرنست همنغواي، أو أدباء مثل شكسبير، ولا حتى نجيب محفوظ، وغيرهم كثيرون. لكن لدينا مبدعون ومثقفون وأدباء وفنانون ظلمناهم كثيراً وغمطنا حقهم أحياءً وأمواتاً، وقلّلنا من شأن أنفسنا ومبدعينا كثيراً.
على صعيد الأدب لا يقل مصطفى وهبي التل شعراً عن كثير من الشعراء العرب، وكذلك الحال مع مؤنس الرزاز، وغالب هلسا، وزياد القاسم، وغيرهم ممن كتبوا في الوطنيات والعروبيات والفلسفات والإنسانيات..
المسألة ليست معقدة، ويمكن تطويرها من خلال التوافق مع عائلات الأدباء المعنيين، لتخصيص هذا اليوم لزيارة المنزل وإقامة فعاليات، لكل واحد منهم، وهنالك نخبة من المثقفين الذين كتبوا في ميراث هؤلاء المبدعين الأردنيين، أي أنّ الأمر برمته لا يتجاوز عملية التنسيق والتوافق على خطوات جديدة كل عام في خدمة ذلك الموروث.
الحال لا تختلف على صعيد المعرفة والعلوم، والتكريم والاحتفاء ليس شرطاً أن يكون للمتوفين، ولدينا هنا علماء على مستوى رفيع في حقول شتى، لا يسعني ذكرها الآن، مثل أستاذنا محمد عدنان البخيت، ود. علي محافظة، ود. فهمي جدعان، والراحلين إحسان عباس، وناصر الدين الأسد، وليس شرطاً أن يكون أردنياً، بل أن يكون إنتاجه وعطاؤه في الأردن، مثل عبد العزيز الدوري.
لم لا نضيف إلى القائمة سياسيين خدموا الدولة في مراحل طويلة، وقاموا بأدوار مهمة في عبور محطات صعبة، وربما وجودية، لكن الجيل الجديد لا يعرفهم.
على أي حال باب الاجتهاد مفتوح لتطوير الفكرة وإنضاجها، لمن يريد أن يتبنّاها، وهي فكرة رمزية أولاً وأخيراً، لكنها تترك نتائج معنوية كبيرة في علاقة المجتمع والدولة بالمبدعين، في مجالات مختلفة، وتعكس أهمية بناء النموذج الإنساني الأردني، وتجسير علاقة التواصل بين الأجيال المختلفة، وفيه معان أخرى عديدة وقيّمة، حتى على صعيد صقل الذاكرة الوطنية وتخصيبها.