الاستخفاف بالخطاب الرسمي

يستطيع أي وزير في الحكومة الحالية أن يذهب بالخطاب الرسمي إلى درجة عالية من الجرأة والشجاعة في التعبير، لكون المرحلة تتطلب منه أن يقدم ما يثبت أن الحكومة جادة في تغيير مفردات خطابها التي كانت الحكومات الأردنية السابقة تتوارثها، لتضيف السخط والاحتقان في الشارع. لكن ما يلفت النظر إلى الخطاب الرسمي الحديث، والجريء في الغالب، هو أن ثمة اختلافا بشأن الرسائل الإعلامية التي يحملها هذا الخطاب بين وزير وآخر. وهو ما يؤشر على أن الأجهزة الحكومية المعنية بوضع رسائل الخطاب الرسمي الرئيسية لم تقدم ما يضبط هذا الخطاب أو يبرزه بصورة تنسيقية سليمة.اضافة اعلان
فعلم الاتصال المؤسسي، وهو المفهوم الشامل، والحديث للإعلام الناطق باسم الجهات الرسمية، يجعل من الخطاب الحكومي مكملاً للنجاح، وأساساً مهماً لتسهيل إيصال رسالة البنية الجديدة للمؤسسة الرسمية. وهو أمر لا يتحقق من دون اللجوء إلى التركيز على رسائل محددة يلتزم بها كافة المسؤولين من الصف الأول، وتكون ملزمة قولاً وفعلاً، من دون استخفاف.
وإذا خرج النطاق المحيط بالخطاب الرسمي عن محدداته في الرسائل التي يتفق على أنها قاعدة الاتصال مع وسائل الإعلام، عدنا إلى الفوضى التي كان سببها الأساسي ليس عدم وضع تلك الرسائل فقط، بل خلو الجسم الحكومي من الخبرة القادرة على التعاطي مع روح الاتصال المؤسسي المفضي إلى إدارة الأزمات.
نقول دائماً إن التفاؤل بالحكومة الجديدة هو عنوان المرحلة إلى أن يثبت ما يدعو إلى تغيير وجهة النظر هذه. لذلك، يجب على البدايات أن تكون سليمة من العيوب التي عانينا منها مع الحكومات السابقة، وأن تكون مرحلة تمهيد الطرق لعودة الثقة المفقودة بين السلطة التنفيذية والشعب مدروسة بعناية فائقة، خاصة فيما يحمله الخطاب الرسمي من مضامين. فهذا الخطاب هو الوسيلة الوحيدة لوصول رأي الحكومة في القضايا المتنوعة إلى الشعب، وهو الذي يبرز صورة مجلس الوزراء، وطريقة تفكير أعضائه في التعاطي مع المرحلة الحرجة التي نمر فيها.
أذكر أن الحكومة السابقة لم تصمد طويلاً مع وجود اختلاف بين أعضائها على مضامين الخطاب الذي جاء متناقضاً مع طبيعة القرارات التي اتخذتها، فحدث التعديل الوزاري سريعاً حاملاً معه رسائل غير مريحة لمستقبل الحكومة في الحياة السياسية، وبالفعل رحلت تلك الحكومة بعد ذلك التعديل في مدة لم تتجاوز أربعة أشهر.
رسائل الاتصال المؤسسي للجسم الحكومي تفضي إلى بر الأمان في حال نشوب أزمة تتطلب وضع حلول سريعة كي لا تتفاقم وتؤدي إلى اتساع رقعة عدم الثقة بأجهزة الدولة في الشارع، وهو ما نعانيه الآن بالفعل بسبب الرسائل غير الواضحة، والمتناقضة، وغير المدروسة، والخالية من الدقة والمصداقية التي خلفتها الحكومات الماضية.
ولعل الدروس تعلمنا بأن الأزمات واقع يمكن مواجهته في أي لحظة، وأن ما ينقذ المرء لسانه، وهو ما يغرقه في الوقت نفسه. وإذا ما اتبعنا الطرائق الحديثة في إدارة الاتصال المؤسسي، وجب علينا أن نتقنها بالصورة المثلى، وأن لا نفوت الفرصة لإصلاح الجسم الذي تعطل عدة مرات بسبب إصابته لأمد بعيد في أكثر مجالاته حيوية، وهو لسانه.
الجانب الأهم في المرحلة، التي نؤمن فيها أن الفريق الوزاري لحكومة الدكتور عون الخصاونة، في غالبيته، صادق في إحداث فرق نوعي في مصداقية خدمة الولاية التي يمنحها له الدستور الأردني، هو أن تكون رسائل الاتصال المؤسسي مع كافة وسائل الإعلام المفضية للشعب في النهاية، مبنية على الاستراتيجية الحكومية الجديدة، ووفق خطط مدروسة بعناية، لأن الاستخفاف بالثقة بين الحكومة والشعب أصبح في أخطر مراحله.

[email protected]