الاندماج المصرفي خيارنا الاستراتيجي

د. غسان الطالب*

يمثل الاندماج أحد الخيارات الاستراتيجية للقطاع المصرفي في قيام اتحاد مصرفين أو أكثر وذوبانهما في كيان واحد، وما نعنيه في حديثنا هذا الإشارة لأهمية التحرك الإيجابي نحو التكتل والتكامل والتعاون لإحداث شكل من أشكال التوحد يتجاوز النمط الحالي الذي يتسم به قطاع المصارف الإسلامية بهدف خلق كيان أكثر قدرة وفاعلية على تحقيق أهداف الصناعة المالية الإسلامية، خاصة ونحن نشاهد في هذا الوقت حالة متحركة من التغيرات المستمرة على حركة المصارف الإسلامية، منها التغيرات المحلية والإقليمية والدولية وما رافق ذلك من اتفاقيات دولية بعضها يمس المصارف الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر مثل اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية واتفاقية “بازل 3” ودخول بعض المصارف العالمية التقليدية لمعترك أساليب العمل المصرفي الإسلامي من خلال فتح نوافذ في هذا الخصوص.اضافة اعلان
ومع تقديرنا لأهمية هذه النوافد في مجال توسع أساليب التمويل الإسلامي، إلا أنها تمثل كذلك منافسة جدية للاستحواذ على حصة هذه المصارف في الأسواق المالية العالمية؛ إذاً نحن أمام تحديات تثير المخاوف أمام المصارف الإسلامية صغيرة الحجم غير القادرة على مواجهة هذا العالم المتغير إما بسبب صغر رؤوس أموالها أو لعدم قدرتها على المنافسة في السوق المصرفية الدولية.
لهذا؛ فإننا مطالبون بوضع استراتيجية عاجلة لتحديد برامج تهدف إلى تحقيق الاندماج بين هذه المصارف إذا أرادت الاستمرار وتطوير أدائها وكفاءتها حتى تتمكن من مواجهة هذه التحديات والتغيرات وبعث الثقة لدى عملائها وبما يمكنها من الدخول في المنافسة على قاعدة صلبة وواثقة من نفسها. وهذا يتطلب إجراء بعض الخطوات الضرورية مثل إعادة الهيكلة وزيادة رؤوس الأموال وجميع الإجراءات التي من شأنها أن تحقق خطوة باتجاه الاندماج.
إن تحقيق الاندماج يؤدي إلى وجود كيانات مالية قوية وعملاقة قادرة على أن تصمد أمام هذه المتغيرات العالمية في الصناعة المصرفية والمالية، وهو فرصة للبقاء والنمو؛ حيث لا مكان لهذه المصارف الصغيرة في عالم يعصف بالمخاطر ولعدم قدرتها على مواجهة كل هذه التحديات ما يؤدي إلى زيادة المخاطر في أدائها ويقلل من فرص استمرارها وتقدمها.  كما أن الاندماج سوف يؤدي إلى توحيد المعايير المالية والمحاسبية والشرعية المتبعة في هذه المصارف وتطوير المنتجات المالية المنسجمة مع فلسفتها بدل التشتت في الآراء وفلسفة الأداء بما أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الأول والأخير لجميع هذه المصارف.
إن الموارد المالية العربية والإسلامية المتاحة سواء منها العاملة في المصارف الإسلامية أو العاملة في المصارف التقليدية والتي لديها الاستعداد للانتقال لأساليب التمويل الإسلامي لديها القدرة في المساهمة في إنشاء سوق للأوراق المالية الإسلامية وتأسيس صناديق استثمار متنوعة.
وتسهم كذلك في تطوير وابتكار المزيد من المنتجات المالية التي تلائم فلسفتها والملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية. والعامل الأخير لتوفر الموارد المالية هو تحقيق الثقة لدى المتعاملين، ما سيرفع من قدرة هذه المصارف على جمع المدخرات سواء التي تبحث عن الربح الحلال أو تلك التي تبحث عن العائد الأفضل، ما سيوفر بيئة تمويلية وخدمية ذات جودة وكفاءة عالية.
كل هذا سيمهد الطريق لتحقيق الاندماج المنشود والوصول إلى التكامل بين المصارف الإسلامية مع مراعاة بعض الخصوصيات لبعض المصارف والناجمة عن طبيعة العلاقة مع المصارف المركزية سواء من جانب السيادة لهذه المصارف أو لغياب التشريعات والقوانين الناظمة لعملها؛ حيث تعتبر العديد من المصارف المركزية عملية الاندماج المصرفي شأنا تنظيميا داخل النظام المصرفي الوطني وما عدا ذلك يخضع لقوانين وشروط الاستثمار الخارجي.
إننا نقر بصعوبة هذا المطلب وإن أمامنا الكثير من الخطوات التي يتوجب علينا أن نحققها، لكننا واثقون من إمكانية التحقيق وأن أي خطوة بهذا الاتجاه ستكون إضافة نوعية ومتميزة للعمل المصرفي الإسلامي.

*خبير في التمويل الإسلامي