التطور الحتمي للملكية

تلفت الانتباه عبارة الملك حول "الوعي بالتطور الحتمي للملكية"، والتي جاءت ضمن الحوار الغني الذي أجرته الزميلة جمانة غنيمات مع جلالته بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس "الغد". وهذه العبارة تعني في القراءة الأولى حجم إدراك الملك لطبيعة التطور التاريخي المفترض لنموذج الملكية في الحالة الأردنية. وهو الأمر البارز الذي أشار إليه جلالته حينما دُعي للحديث عن ولي عهده وملك المستقبل؛ بمعنى أن الملك يدرك أن الملكية التي ورثها عن أبيه الحسين، طيب الله ثراه، تشهد اليوم تحولات كبيرة في عهده، وسوف تشهد تحولات أخرى في عهد وريث العرش بعد عمر طويل. وهي نظرة حكيمة وواثقة، وغير مطروقة في أنماط مدارس الحكم في العالم العربي.اضافة اعلان
الملكية الأردنية اليوم، والقائمة منذ أكثر من تسعة عقود، هي بلا شك ملكية دستورية، وليس كما يشيع بعض المطالبين بالإصلاح؛ فما دام نظام الحكم يستند إلى الدستور، فهي ملكية دستورية. ولكن السؤال المفصلي هو عن مدى ما توفره  هذه الملكية ووثيقتها المرجعية الأولى، أي الدستور، من التزام بالمعايير والممارسات الديمقراطية. وهو الأمر الذي يفهم من حديث الملك في "الغد"، ومن أحاديث أخرى سابقة، بأن الملكية سوف تتطور، ولكن هذا التطور يخضع لمنطق التطور وليس لمنطق التحولات الدراماتيكية والثورات؛ أي المنطق الذي حمى الأردن في السابق، ويحافظ عليه اليوم وسط ما يشهده الإقليم من خراب وفوضى.
قراءة ما بين السطور بشأن مستقبل الملكية الدستورية في الأردن، تعيدنا من خلال هذه الإشارات، وفي ضوء ما جاء في الأوراق النقاشية التي طرحها الملك قبل عدة أشهر، إلى دور المجتمع السياسي الأردني، الرسمي والأهلي، في وعي المنهج الملكي في تطوير الملكية، والمساعدة في تحقيق هذه الرؤية؛ وبوضوح: أن لا يبقى الملك وحده يردد بشكل مباشر وغير مباشر أننا نريد تطوير الحياة السياسية، وفي مقدمتها الملكية. فثمة خطوات واقعية منتظرة من أطراف أخرى وتعني الجميع؛ كيف نطور نموذجنا في الملكية الأردنية التي لا نريدها نسخة من الملكية البريطانية ولا نسخة من الملكية الإسبانية ولا ملكية الآباء والأجداد. فنماذج الملكيات في البلدان الديمقراطية تطورت ذاتيا، وفي سياقات سياسية واجتماعية وثقافية لكل منها خصوصيته.
المسألة ليس في صلاحيات الملك الدستورية، وفي تجربة الإصلاح المغربية لم تتوقف المعارضة السياسية أمام هذه المسألة بل تجاوزتها، واستطاعت بذلك الوقوف حيث عتبة تداول السلطة عبر الأحزاب ومن خلال صناديق الاقتراع. وفي التجربة الإسبانية، وحينما بدأ الملك خوان كارلوس مشروعه الإصلاحي بعد عقود من الحكم الدكتاتوري، واجه أول التحديات من داخل نظامه، حينما اعترض بعض المؤسسات على نهجه الإصلاحي، لكنه مضى به إلى الأمام، واستطاع إنقاذ إسبانيا. اليوم، بعد التحولات العربية الأخيرة، ثمة حنين في العالم العربي إلى الملكيات الدستورية، يصحبه إدراك لحسبة المخاسر والمكاسب التي حققتها الشعوب العربية خلال عقود دولة الاستقلال، وهي الحسبة التي تصب في مصلحة الملكيات، فيما يبقى التحدي الديمقراطي هو كلمة السر.
قيمة منهج التطور في إدارة الإصلاح تكمن في أحد جوانبه في أنه يمنحنا القدرة على الفهم الأكثر دقة لما يلائم المجتمع الأردني من المناهج والممارسات الديمقراطية. وبالتالي، يمكننا من تطوير نموذج أردني يراعي السياق الثقافي والاجتماعي الذي يتفق بكل مكوناته واتجاهاته ومشاربه، على أن يرى الملك حكما بين الجميع، ورمزا للوحدة الوطنية، وحاميا للدستور، وللديمقراطية أيضا