الجدات يعرفن الطريق..!

علاء الدين أبو زينة لا بدّ من تكرار المعروف والمنطقي في النضال الفلسطيني المشروع من أجل التحرير. لا يمكن أن ينتصر فريق مشتّت متخاصم، يفكر قادته في المكائد للشقيق أكثر مما يفكرون في هزيمة العدو. وإذا كان المعسكر الهائل المعادي للفلسطينيين يستفيد من مبدأ «فرق تَسد»، فإن الواجب الوطني المنطقي الأول هو إفشال هذه المحاولات، كمسألة بقاء وكشرط مسبق للصمود والأمل في الانتصار. الفيديو الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا لجدتنا التي أوصت: «شدوا بعضكم يا اهل فلسطين» ضرَب على العصب. وهو تعبير معتاد وغريزي لدى الأمهات والجدات الفلسطينيات – والعربيات- اللواتي يوصين الأبناء والأحفاد وأبناء العمومة بالتعاضد من أجل حماية الجميع. وثمة في مجتمعاتنا الروابط والجمعيات والدواوين التي تجمع العائلات والعشائر وأبناء القرية والمدينة الواحدة، وتسترشد بمبدأ الاحتماء بالعصبة. وبشكل خاص، تتجلى هذه الظاهرة في المجتمعات الفلسطينية في المنفى أكثر من الآخرين لضرورات يقترحها الظرف الفلسطيني. على المستوى السياسي، تُقاس نجاحات أي قيادة أو إخفاقها بقدرتها على جمع صف الذين تقودهم أو العكس. في الدول، سيكون تحييد المشتركات وإبراز الفروقات وصفة للفشل. وإن لم يتسبب ذلك بصراع أهلي فإنه يبقي المجتمعات مع استعداد داخلي للانخراط في مثل هذه الصراعات بمجرد اشتعال شرارة ما. وسوف ينعكس تعميق الولاءات الفرعية في الأداء العام للبلدان، عندما يضر التنافس بدل التعاون بالمخرجات الوطنية بعامة. والأثر أوضح بمرات في حالة الشعوب المستعمرة. إذا فشلت قيادة ما ينبغي أن يكون حركة تحرر وطني في التحشيد حول العلم وتجنيد الجميع في معسكر واحد، فإنها تضر بالقضية التي تقودها. سوف تصبح عقبة في طريق التحرر وقوة شد عكسي. وسيكون التنحي الاختياري شرَفًا وطنيًّا مُقدَّرًا، وإلا فإن عزل هذه القيادات التفريقية سيكون خطوة ضرورية في الصراع مع العدو الأساسي من معسكر واحد. المشتركات الفلسطينية واضحة: هدف التخلص من الاستعمار في فلسطين. وفلسطين لها تعريف واحد لا ينبغي الاختلاف بشأنه. وعدو الفلسطينيين معروف تمامًا، ولا تجوز مصادقته أو مهادنته أو مساعدته أو حمايته أو المصادقة على خطابه. وعندما يطرح المتابعون القضية الفلسطينية، بشروطها السابقة والراهنة، فإنهم يقولون إن هذه الأرض الصغيرة لا تتسع لشعبين. وهم يقررون بذلك إما أن الصراع وجودي بين الشعبين (وهو شعار الصهيونية وممارستها)، أو يتصورون دمج المستعمرين مع أصحاب الأرض في تكوين واحد تعددي بين النهر والبحر، على أساس نسيان العداوات والتمتع بنفس الحقوق والواجبات على قدم المساواة، مع تطبيق حق العودة الفلسطيني. حتى هذا الحل الثاني، لو تحقق بتغيير أساسي مستحيل في عقلية العدو ومعتقداته، سيكون على حساب الفلسطينيين. كل بيت أو قطعة أرض أو حيز يتواجد فيه غريب أو ابن غريب هو في الأصل ملك لفلسطيني وجزء من حيزه التاريخي في وطنه. وعندما يُطرح خيار «الدولة الواحدة»، بالمواصفات صعبة التحقق، فإن دراسته كاقتراح هو أضعف الإيمان بالنسبة لقيادة فلسطينية تزعم تحصيل أفضل الممكن لشعبها. لكن الاختلاف الذي تعززه القيادات الفلسطينية العديدة، وخاصة التي تتحدث باسم الفلسطينيين في المحافل الدولية، هو خلاف على الأساسيات: على تعريف فلسطين، والعدو، والوسائل والغايات. ولذلك القسمة جوهرية غير قابلة للتوفيق: التنازل عن معظم فلسطين وإلغاء فلسطينية أصحابها، أو الإيمان بكل فلسطين لكل الفلسطينيين. وبغض النظر عن أي تفسيرات وحجج، فإن خيار أي شعب مستعمَر ومشرد ينبغي أن يكون واضحًا، وسيختاره أي شعب يحاول آخرون أن يحلوا محله. وسوف يُعدم هذا الخيار فقط عند الشعوب التي تنهكها الإبادة الجماعية ويتكاثر عليها الغزاة، مثل أصحاب أميركا الأصليين أو الأستراليين الأصليين. لكن الشعب الفلسطيني لم يقترب ولن يقترب من هذه المرحلة التي تنعدم فيها الخيارات. إنه حي، وحي جداً. السياسة التي ينبغي أن تتبعها أي قيادة فلسطينية وطنية ومخلصة بسيطة، تعرفها الجدات بالغريزة: عمل كل شيء من أجل أن يشد الفلسطينيون بعضهم البعض، كما يحرص رب عائلة طبيعي؛ على حماية أرواحهم بالمجموع؛ على تعظيم قوتهم بالمجموع؛ على إرعاب العدو بهيبة المجموع. وإذا فشلت في التجميع– ناهيك عن أن تكون هي نفسها عامل تفريق بطبيعتها- فإن ذهابها بأي طريقة يصبح ضرورة وطنية. المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان