الحرب السورية الأهلية: حقول القتل

سوري يدوس على سجادة تحمل رسم الرئيس السوري بشار الأسد - (أرشيفية)
سوري يدوس على سجادة تحمل رسم الرئيس السوري بشار الأسد - (أرشيفية)

تقرير خاص –  (الإيكونوميست) 20/12/2012

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

هل شرعت أميركا وأوروبا بإدارة ظهريهما لحروب الشعوب الأخرى لأنهما تعبتا وضاقتا ذرعاً بحروبهما الخاصة؟ لقد تعدت حصيلة القتلى في سورية 30.000 شخص. وفي بعض الأيام تُضاف 250 جثة إلى الكومة، وعلى نحو يستدعي إلى الذهن أوضاع العراق في ذروة التمرد في العام 2006-07. وفي حال تمددت الشهور القليلة القادمة لتصبح سنوات، كما يبدو مرجحاً في هذه الأوقات، فإن مدن سورية الكبيرة سوف تتحول إلى ركام، وسيختنق الشرق الأوسط كله بالغبار.
للحيلولة دون تحقق هذه الكارثة، يحتاج حلف "الناتو" إلى الشروع في بناء قضية إنسانية واستراتيجية للتدخل في سورية. ويمكن لإجبار قوات الرئيس بشار الأسد الجوية على البقاء رابضة على الأرض أن ينقذ آلاف الأرواح، كما يمكن لمنح الثوار مساحة للتنظيم والتدريب أن يساعد في جلب الحرب إلى نهايتها. وربما يفضي تسريع سقوط السيد الأسد إلى منح سورية الفرصة لإعادة الانبعاث والنهوض كدولة تعيش بسلام مع نفسها وجيرانها.
وليس ثمة ما يدعم أطروحة التدخل أكثر إلحاحاً من تكتيكات السيد الأسد الوحشية. فمنذ البدايات، عندما أطلقت قواته النار على المتظاهرين السلميين، عمد إلى استخدام القوة المفرطة. ثم قاده مزيج من الشعور بالحصانة المقرونة باليأس إلى التحول من استخدام الأسلحة الثقيلة، إلى الطائرات المقاتلة والعمودية الهجومية، ثم إلى القنابل العنقودية مؤخراً. ويفسر الغضب من الهجمات ضد المدنيين في دمشق وحلب، أكبر المدن السورية، السبب في أن حصيلة القتل أصبحت تتصاعد الآن باطراد. ويخلف مثل هذه العنف مشاعر كراهية لا تعرف الصفح. ولذلك، سوف يمضي الثوار في قتالهم إلى النهاية.
كما غذى السيد الأسد الصراع الطائفي في البلد. فمن خلال تعريف الثوار بأنهم إرهابيون يدعمون الأغلبية السنية في سورية، أمل الرئيس باستمالة الأقليات إلى صفه. وقد زرعت العصابات من طائفته العلوية بذور الانقسام بممارسات العربدة من القتل إلى الاغتصاب. ولسوء الطالع، وفيما يتصرّم الوقت، تتحول الكذبة الطائفية لتصبح حقيقة. ويقوم السلفيون طويلو اللحى بالقتال الآن تحت الرايات السوداء للإسلام المتطرف. كما شرع الثوار بدورهم بارتكاب الانتهاكات والفظائع. وبينما يخفت التسامح، كذلك يفعل الأمل بإمكانية خروج سورية من حقبة حكم الأسد كبلد محترم وكريم.
وأخيراً، يقوم السيد الأسد بإقلاق استقرار المنطقة. وقد استطاع من خلال تجنيد دعم روسيا وإيران، تهيئة الأرضية لحرب مطولة بالنيابة، والتي تقوم فيها تركيا وبعض دول الخليج بدعم الثوار. وقد تبادلت قواته القصف بالقذائف مع تركيا. ويتدفق اللاجئون السوريون على الحدود السورية كافة. وفي لبنان، يجري امتصاص حزب الله وسحبه إلى الدوامة. وتتنامى القومية المتطرفة في أوساط الأكراد. والتوترات الطائفية تتزايد في العراق: حيث تقوم الحكومة التي يقودها الشيعة بدعم السيد الأسد، فيما يقوم الثوريون السنة، بمن فيهم فرع "القاعدة"، بدعم مناوئيه.
الآن، تواجه سورية حرباً أهلية عنيفة ومطولة، والتي ستحصد عشرات الآلاف من الأرواح، وتترك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في وضع غير آمن، وتنزع استقرار منطقة ذات أهمية استراتيجية فائقة. وهو شيء يتحمل العالم الخارجي واجباً تجاهه، وله مصلحة في الحيلولة دونه على حد سواء. ولكن، وحتى لو كان التدخل الآن أقل الخيارات دموية، فإنه سوف يكون دموياً مع ذلك.
من الناحية العسكرية الصرفة، تظل المهمة ممكنة التنفيذ. ويستطيع حلف الناتو أن يفرض منطقة حظر للطيران فوق سورية. ويحتمل أن يعمل مجرد التهديد بتدمير أي طائرة سورية على إبقاء طائرات السيد الأسد رابضة على الأرض؛ لكن المخططين العسكريين الأميركيين ربما يصرون على تدمير دفاعات السيد الأسد الجوية على أي حال (وهي مهمة أصعب من حملة السنة الماضية ضد ليبيا، لكنها تظل ممكنة). ويبقى أكبر مكامن القلق، مع ذلك، هو ما يمكن أن يعقب إقامة منطقة حظر للطيران.
وحتى لو كان الهدف هو حماية المدنيين السوريين، فإن التدخل المباشر في سورية يظل منزلقاً خطراً. وقد يتحول بسرعة إلى سياسة للإطاحة بالسيد الأسد الذي لا يستطيع أحد أن يعرف كم من الوقت يمكنه أن يستمر في القتال. وسوف يناضل من دون قوة سلاح جوه –خاصة إذا خسر إمكانية الاستخدام الكامل لدباباته ومدفعيته الثقيلة. وربما يعمد ضباطه أنفسهم، في حال بدأوا يشعرون بعدم جدوى قضيتهم، إلى تنفيذ انقلاب ضده. وإذا لم يحصل ذلك، فإن الثوار ربما يستغرقون شهوراً طويلة قبل أن يستطيعوا إجباره على الخروج من السلطة. وسوف يكون ذلك اختباراً لمدى مثابرة الغرب وإصراره، لكنه سيكون أفضل من حرب استنزاف تدوم لسنوات.
ولا يستطيع أحد أن يكون واثقاً ممن سيخلفه. وقد وعد الثوار بأن يتحدوا، لكن مشاجراتهم وخلافاتهم ظلت تتعاظم كل الوقت. أما الرجال المسلحون الذين يرجح أن يستولوا على السلطة، فيمثلون الكثير من الميليشيات، والتي تتكون بعضها من بضع عشرات من المقاتلين فقط. ويذهب هذا الواقع ضد فكرة منح الثوار أسلحة متطورة -لأنه يمكن أن تنتهي الصواريخ التي تستطيع تدمير الطائرات إلى أيدي الإسلاميين المتطرفين. لكن إقامة منطقة حظر للطيران يمكن أن تمنح الثوار فضاء للتنظيم والتدريب. وكلما قصر أمد الأزمة، تعاظمت الفرصة في أن تخضع الميليشيات التي ستسقط نظام السيد الأسد لقيادات معتدلة، والتي تكون متعاطفة مع الغرب وتريد إعادة تجميع سورية معاً.
في انتظار أوباما –أو رومني
ثمة القليلون المستعدون اليوم للتحدث في صالح قضية التدخل. ويعود ذلك في جزء منه إلى أنه ينطوي على مخاطر لا يمكن إنكارها. لكن ذلك يعود أيضاً إلى أن الأميركيين سيضطرون إلى قيادة العملية. وبوجود حملة انتخابية ينشغل بها، فقد خرج باراك أوباما عن خطه بغية تجنب الخوض في الحديث عن سورية. ومع ذلك، تبقى لدى أميركا كل المصلحة في خلق شرق أوسط أكثر استقراراً، من خلال عرض نفسها في صورة المدافع عن القيم التي تعتقد بأنها كونية، ومن أجل حرمان إيران من حليف إقليمي مهم. وحتى في هذه الآونة، ينبغي أن يكون السيد أوباما بصدد العمل على وضع خطط حول الكيفية التي يمكن أن يتدخل بها، أو أن يتدخل بها رومني في حال أصبح رئيساً.
تبقى فرص حصول الغرب على دعم للتدخل ضئيلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأن روسيا سوف تقف في طريقة. لكن تحالفاً تقوده أميركا يمكن أن يستنفر مسؤولية العالم عن حماية المدنيين ضد حكوماتهم القمعية من خلال تصويت يتم في الجمعية العامة للأمم المتحدة –والذي يمكن أن يقدم غطاء دبلوماسياً للتدخل –إذا لم يكن قانونياً. وربما يكون الأكثر أهمية هو كسب دعم عربي تكتيكي على الأقل، خاصة من الرئيس المصري محمد مرسي –الذي كان قد دعا إلى إسقاط السيد الأسد، ولو أنه لم يقبل بعد بالحاجة إلى تدخل قوى خارجية. ولا ينطوي معظم العرب على غرام بالسيد الأسد -وهم يصبحون أكثر انتقاداً لسياسة روسيا أيضاً. وطالما لم تكن هناك قوات غزو برية (ولن تكون)، فإنه يغلب أن ينضموا إلى هذا الاتجاه.
إننا لا ندعو العالم باستخفاف للإقدام على مثل هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر. لكن مسائل مثل استقرار الشرق الأوسط وإنقاذ أعداد لا تحصى من أرواح السوريين لا ينبغي أن تظل رهينة للتصلب الروسي. وفيما الأزمة تمضي بلا توان، شهراً دموياً في إثر شهر، سوف تتصاعد الدعوات إلى العمل –كما حدث في كوسوفو قبل خمسة عشر عاماً. وكلما بادر العالم أسرع إلى التدخل، زاد عدد الأرواح التي سيتم إنقاذها، وكلما تعاظمت الفرصة في إمكانية إعادة سورية لتكون كلاً مكتملاً أيضاً.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 Syria’s civil war: The killing fields

اضافة اعلان

[email protected]